لايزال فوز المسلم صادق خان بمنصب رئيس بلدية العاصمة البريطانية لندن في الانتخابات المحلية التي جرت الخميس الماضي يصنع الحدث، بعد أن حقق ابن المهاجر الباكستاني سائق الحافلات سابقة في تاريخ المملكة التي لا تغيب عنها الشمس، وتسلم مفاتيح بلدية لندن إثر تغلبه على منافسه زاك جولدسميث، ابن الملياردير اليهودي، فمن هو صادق خان؟ لم يكن طريق الوصول إلى منصب عمدة واحدة من أهم العواصم الأوروبية سهلا بالنسبة للرجل الذي سيتولى مسؤولية لندن خلال السنوات الأربع القادمة، فالمحامي ومرشح حزب العمال الذي قهر مرشح حزب المحافظين زاك جولدسميت، كان عليه تحدي ظروفه كابن مهاجر متوسط الدخل ليحظى بتعليم مرموق، قبل دخول معترك السياسة وأصبح أول مسلم ينضم لمجلس الوزراء، قبل أن ينجح في الخروج سالما من معركة انتخابية استعمل فيها منافسوه المحافظون ورقة ارتباطه بالمتطرفين المسلمين لإبعاده من سباق الانتخابات. الرحلة من باكستان إلى بريطانيا وصلت عائلة أمان الله وسهرون خان إلى لندن قادمة من باكستان سنة 1970، قبل فترة قصيرة من ولادة صادق، وفي عاصمة الضباب عمل أبوه سائق حافلة وأمه خيَّاطة لإعالة أطفالهما الثمانية، وكانوا يقطنون مسكنا وفرته لهم البلدية في مجمع هنري برنس السكني في ضاحية إيرلسفيلد جنوب غربي لندن. ولم يغادر صادق بيته العائلي قبل بلوغه سن العشرين، إذ تقاسم غرفة نوم ضيقة مع أشقائه في مسكن ضيق يحوي ثلاث غرف للنوم، حتى أنه شارك أحد إخوته الذكور سريرا من طابقين إلى غاية مغادرته المسكن العائلي. درس صادق في مرحلة الثانوية بمدرسة إيرنست بيفن كوليدج التي يصفها “بأنها كانت مدرسة قاسية، واشتهرت بسوء سلوك طلابها وجميعهم من الذكور”. بين الطب والمحاماة درس خان الرياضيات والعلوم وكان يحلم أن يكون طبيبا للأسنان، لكنه انتقل لدراسة القانون، بعدما لفت معلمه انتباهه قائلا: “أنت دائما تناقش وتحاجج”، ليتخرج من جامعة نورث سنة 1994، وأصبح محامياً مدافعاً عن حقوق الإنسان ورافضاً لمبدأ التمييز. انضم إلى صفوف حزب العمال البريطاني، وترشح كنائب في مجلس العموم البريطاني، فانتخب نائباً في المجلس عام 2005، ليصل إلى منصب وزير للنقل والمواصلات في بريطانيا عام 2008، وأصبح بذلك أول مسلم من أصول باكستانية آسيوية يصل إلى الوزارة في الحكومة البريطانية. رئيس بلدية لكل اللندنيين في المنافسة للفوز بترشيح حزب العمال لمنصب رئيس بلدية لندن، ساعد تأييد خان للحركة النقابية العمالية على فوزه بهذا الترشيح، لكن بعد اختيار حزب المحافظين لمرشحه المليونير زاك جولدسميث، أدى ذلك لإحباط في صفوف حزب العمال. وشن جولدسميث هجوماً على خان كونه مسلماً واتهمه بالتطرف، وبأنه دائما ما “أعطى منصة وأكسجين وغطاء للمتطرفين”. غير أن خان نجح في كسب أصوات الناخبين، بعد أن قدم برنامجا اشتمل على دعم تخفيض أسعار الإسكان والبيوت في لندن، وتعهد بخلق أجواء مماثلة لتلك التي عاش فيها والده، أي أنه لامس الطبقة الفقيرة والمتوسطة. وأكد صادق خان في برنامجه الانتخابي على أنه سيسعى جاهداً لاستقبال بريطانيا مزيداً من الأطفال اللاجئين. مسلم وأفتخر تربى خان على القيم الإسلامية، ولم يتنصل يوما من الإعلان عن أهمية عقيدته، وتحدث عن كيف أن أباه علمه حديث النبي محمد عليه الصلاة والسلام، عن أن الشخص الذي يجد شيئا خطأ عليه أن يعمل على تغييره. وردا على سؤال حول كونه المسلم الأول الذي يرأس بلدية لندن وعاصمة غربية قال خان: “أنا لندني، بريطاني، مسلم الديانة، وبالطبع أنا فخور بإسلامي. لديّ أصول باكستانية. أنا أب وزوج ومناصر لنادي ليفربول منذ زمن طويل. أنا كل هذا”.