يبدو أن الحكومة قد فتحت باب جهنم على نفسها بعد التطرق، خلال الثلاثية الأخيرة، لإمكانية إلغاء التقاعد النسبي للموظفين، حيث لم تجد الأعذار التي ساقتها لتبرير القرار، من “إفلاس” منتظر لصناديق الضمان الاجتماعي وعجزها عن تغطية معاشات المتقاعدين البالغ عددهم 2,7 مليون، في امتصاص غضب مئات الآلاف من العمال الذين اعتبروا قرارات الثلاثية الأخيرة تراجعا عن واحد من أهم مكاسب العمال، ودعوها لأن تبحث عن مصادر تمويل أخرى، مثلما عثرت على حلول لتمويل الصندوق “السحري” لتقاعد إطارات الدولة. طالبت الحكومة بإيجاد مصادر أخرى لتمويل صندوق التقاعد النقابات المستقلة تستنفر قواعدها للرد على إلغاء “النسبي” نددت النقابات المستقلة بإقدام الحكومة على إلغاء التقاعد النسبي، واعتبرته حقا مكتسبا لا تنازل عنه، في الوقت الذي أعلنت عن انطلاق مرحلة التجنيد استعدادا للرد في حال ترسيمه، وطالبتها بإيجاد حلول وبدائل أخرى لتمويل صندوق التقاعد عوض اللجوء في كل مرة إلى ما قالوا إنه “التضحية بمكسب العامل البسيط”. أول خطوات التنديد بمشروع إلغاء التقاعد النسبي جاء من نقابة “السناباب” المنضوي تحت لوائها عدد من نقابات الوظيف العمومي، حيث أعلنت عن تجنيدها للعمال من أجل الدخول في احتجاجات وطنية بداية الدخول الاجتماعي المقبل، لأن ما أقدمت عليه الحكومة، حسبما أوردته في بيان لها، هو تراجع عن أهم مكسب للعمال أقرته الأمرية رقم 97 بتاريخ 31 ماي 1997، وأبدت استعدادها للتنسيق مع كل النقابات المستقلة للضغط بكل الطرق والوسائل لمنع ترسيم هذا القرار. من جهتها، بدأت مختلف نقابات الوظيف العمومي بالتحرك، ففي قطاع التربية تم تسجيل انتفاضة واسعة للنقابات الرافضة لهذا الإلغاء، منها ما جاء على لسان المكلف بالتنظيم بنقابة “سنتيو” قويدر يحياوي الذي دعا إلى التمسك بحق العامل والموظف في التقاعد النسبي والذي يمنح للموظف حق التقاعد عن العمل دون السن القانونية، كما أعلن التنظيم عن الدخول في احتجاجات وطنية في حال تطبيق القرار على أرض الواقع، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال، حسبه، التراجع عن حق الموظف والعامل في التقاعد النسبي، والذي هو بمثابة مكسب لكل الموظفين، خاصة لدى موظفي قطاع التربية الوطنية. من جهته، قال المكلف بالإعلام ب”الكناباست”، مسعود بوديبة، إن قرار إلغاء التقاعد النسبي انبثق عن الثلاثية، “وهي لا تحظى بمصداقية عند العمال”، لأن العامل لم يعد ينتظر منها قرارات لصالحه، أما منظومة التقاعد فيرى بوديبة أنه من الواجب مناقشتها مع المنظمات النقابية التي تمثل العمال وبإشراك خبراء، ويرفضون أن يتحمل العمال مسؤولية ما يحدث، ولهذا ينبغي، حسبه، البحث عن مداخيل جديدة لصندوق التقاعد عوض اللجوء إلى الحلقة الأضعف وهي العمال، وبقطاع التربية مع انتشار الأمراض المهنية ينبغي التفكير في تخفيض مدة التعليم وليس رفعها. في المقابل، يسجل قطاع الصحة هو الآخر “غليانا” واسعا، فبعد رفض نقابة ممارسي الصحة العمومية لقرار إلغاء التقاعد النسبي، صرح رئيس نقابة شبه الطبي لوناس غاشي أن قطاع الصحة بكل أسلاكه يرفض هذا، ويهدد باحتجاجات غير مسبوقة دفاعا عن هذا الحق المكتسب، وقد بدأ التحضيرات لها، حسبه، من الآن. وتساءل غاشي “ماذا تنتظر من موظف بلغ سن 60؟”. مشيرا أن سلك الممرضين متعب ولا يقوى الموظف أن يتجاوز سن الأربعين. وأضاف غاشي بلهجة قوية “ما يدفع من معاشات التقاعد مصدرها أموالنا التي ندفعها كاشتراكات سنويا، ولهذا لن نتخلى عن حقننا مهما حدث”. وفي سياق ذي صلة، ذكر رئيس النقابة الوطنية للنفسانيين، خالد كداد، أنه منذ بداية أزمة البترول والوزير الأول يقول إن الأزمة لن تمس مكتسبات العمال، والتقاعد النسبي “مكسب اجتماعي لا نقبل المساس به”، كما أن الحديث دائما أن اشتراكات 9 عمال تؤدي إلى توفير معاش لعامل واحد، ليس من مسؤولياتنا بل هي مسؤولية الحكومة، حسبه، وهنا طالب كداد بتوسيع الاستشارة من أجل إيجاد حلول أخرى تعمل على حلحلة الأزمة عوض إصدار قرارات من هذا النوع التي يرفضها العمال، لأنهم إذا فرطوا في هذا الحق المكتسب، فحتما ستلجأ الحكومة في مراحل مقبلة إلى قرارات أخرى تسطو من خلالها على مكتسبات أخرى. نفس الانشغال تحدث عنه الأمين العام للفرع المحلي للمنطقة الصناعية للرويبة، مقداد مسعودي، الذي أكد أن الاحتجاج بالمنطقة ليس بعيدا، لأن الاحتجاجات انطلقت بمجرد الحديث عن إلغائه، وإذا حدث هذا فعلا فليترقبوا ما يمكن أن يقدم عليه العمال، الذين يعد التقاعد النسبي بالنسبة لهم خطا أحمر لأنه متنفسهم الوحيد لإنهاء مسيرة التوظيف في مجالات معظمها لها علاقة بالميكانيك وهي متعبة للغاية، حسبه.