وجدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي نفسها أمام حتمية مراجعة التخصصات التي تقدمها عبر أكثر من 100 مؤسسة جامعية عبر الوطن، وهذا بعد أن وجد الآلاف من المتخرجين أنفسهم أمام بطالة طويلة الأمد لحملهم لشهادات غير مطلوبة للتوظيف أولا، وغير مصنفة في الوظيف العمومي ثانيا، وبين هذا وذاك، تراجع الإقبال على تخصصات أخرى كانت تسجل في وقت سابق إقبالا واسعا بسبب التغيرات التي فرضها سوق الشغل. علم التوثيق، علم التراث، حقوق الإنسان، العلوم السياسية، التربية البدنية، علم المكتبات وغيرها من التخصصات التي لم يجد حاملوها فرصا للتوظيف، وبمرور السنوات ارتفع عدد المتخرجين وظهرت نتائج البطالة باحتجاجات واسعة، وصلت اليوم إلى طلبة لم يتخرجوا من هذه التخصصات بعدما أعربوا فيها عن مخاوفهم من الاصطدام بنفس المصير إذا لم تتدخل الجهات المعنية بذلك. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن تخصص العلوم السياسية الذي كان يسجل إقبالا واسعا تراجع في السنوات الأخيرة، لدرجة أن عدد المسجلين بكلياتها لا يتعدى 10 طلبة، وجامعة الجزائر 3 التي كانت تسجل إقبال الآلاف عليها، سجلت الموسم الحالي 200 طالب فقط، ما يعني أن هذا التخصص أصبح لا يستهوي الطلبة من جهة ولأنه لم يعد يوفر وظيفة، خاصة أننا سجلنا في سنوات ماضية احتجاج المتخرجين منها، ومطالبتهم بضمهم لقائمة التخصصات المعنية بمسابقة توظيف الأساتذة بقطاع التربية، لعدم وجود فرص عمل أخرى. وشهدنا، هذه السنة، الاحتجاجات المسجلة لعلم المكتبات والتربية البدنية، فهي تخصصات لم يعد لها مكان في التوظيف، والمتخرجين منها أصبحوا يحالون على البطالة، ما دفع الطلبة المزاولين حاليا لدراساتهم عبر هذه التخصصات للدخول في احتجاجات مسبقة لمعرفة مصير شهاداتهم، بعد أن وجدت الدفعات السابقة نفسها أمام البطالة.
التنظيمات الطلابية تدعو للحذر قبل الإلغاء
يرى الأمين العام للإتحاد الطلابي الحر، صلاح الدين دواجي، أن الوزارة تدفع اليوم ثمن تطبيقها الارتجالي لنظام لسانس ماستر دكتوراه، المعروف ب"الآل.آم.دي". فطيلة 14 سنة من تطبيقه سجل، حسبه، فوضى حقيقية، لدرجة أصبحت الأسرة الجامعية تنام وتستيقظ على تخصصات جديدة، ووزير التعليم العالي، حسبه، سبق وصرح أن عدد التخصصات تجاوز 3 آلاف تخصص والوزارة تنوي تقليصها إلى ألف على الأقل، وهي خطوة إيجابية، حسبه، إلا أنه على الوصاية توخي الحذر وإيجاد مخرج لحاملي شهادات في هذه التخصصات بعد الإعلان عن إلغائها، كون هؤلاء سيكون أمامهم مصير مجهول، ما قد ينجر عنه احتجاجات وتصعيدات خطيرة ، فالإلغاء ينبغي أن يُبنى على دراسات معمقة وبالاستعانة بخبراء لتصحيح الأخطاء التي وقعت فيها الوزارة في الماضي، يضيف دواجي. من جهته، تحدث الأمين العام للمنظمة الوطنية للطلبة الجزائريين، فارس بن جغلولي، عن هذا الاختلال في التخصصات، وقال إن هناك منها أصبحت تسجل تشبعا واسعا، على غرار تخصص التاريخ، بالإضافة إلى مئات التخصصات المرفوضة من الوظيف العمومي، على غرار علم التوثيق الذي سبق ودخل التنظيم بموجبه في احتجاجات حول مصير المتخرجين من هذا الأخير، إلا أن الوزارة لا حياة لمن تنادي، حسب قوله، وما عقد الوضع هو تغيير الوزراء في كل مرة، أين لا يكون للوزير الوقت للتحسين، وكل وزير، حسبه، يريد أن يضع في عهدته بصمة تحسب عليه عوض حل المشاكل العالقة في القطاع.
الكناس يكشف عن خضوع التخصصات لأهواء الأساتذة ولجان التكوين
كما تأسف الناطق الرسمي لمجلس أساتذة التعليم العالي "كناس"، عبد الحفيظ ميلاط، للوضع الذي آل إليه التكوين في الجامعة، حيث أكد ل"الخبر" أن الكثير من التخصصات تم فتحها بطريقة عشوائية من طرف فرق التكوين، وأصبحت الجامعة الجزائرية تزخر بمئات التخصصات معظمها عشوائي، وحتى التكوين المتعلق بها غير مبني على أسس علمية، والطالب يجد نفسه في النهاية حاملا لشهادة غير معترف بها، على سبيل المثال تخصص حقوق الإنسان الذي لا يجد المتخرج منه أي مجال للعمل. وتخصص الإعلام الآلي أصبح يختلف من جامعة لأخرى، حسبه، فما يدرسه طالب الإعلام الآلي في عنابة مخالف لما يدرسه زملاؤهم في قسنطينة وفي العاصمة، والأدهى أن مختلف التخصصات، دون استثناء، عرفت توزيعا عشوائيا وغير مدروس للمقاييس، والسبب في ذلك أن الوزارة تركت اختيار التخصصات وتوزيع المقاييس للأساتذة ولجان التكوين، وهذا ما أدى بالكثير منهم إلى اقتراح تخصصات وفق أهوائهم ومصالحهم حسبه، ودعا الكناس إلى توحيد التخصصات كما كانت عليه سابقا في النظام الكلاسيكي وشطب التخصصات العشوائية.