قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إن هناك تطابقا كاملا في الرؤى ما بين الجزائر ومصر وتونس، فيما تعلق بحل الأزمة الليبية، وأن مشاورات الاجتماع الثلاثي الذي احتضنته الجزائر في هذا الشأن، أمس الأول، كانت إيجابية جدا ومثمرة إلى حد كبير. مشيرا في حوار مع "الخبر" إلى أن الجلسة المغلقة أتاحت الكثير من التداول وطرح الأفكار بشفافية وبقدر عال من المصارحة، وأيضا التفكير في شكل مستقبلي لاحتمالية السيناريوهات، وكيفية بلورة عمل مشترك يساعد على تجاوز الأزمة والخروج من بعض الانسداد السياسي الراهن. وذكر وزير الخارجية المصري، أن "العلاقات الوثيقة التي تربط البلدين هي أمر مرتبط بالتاريخ، وبالرصيد الضخم الذي يربط ما بين الشعبين الشقيقين"، إضافة إلى "التواجد الدائم للرغبة المشتركة والإرادة لدى القيادتين السياسيتين لتدعيم هذه العلاقة والعمل على الارتقاء بها"، معرجا على ضرورة إيجاد مجالات للتعاون من أجل تعزيز العلاقات العربية الافريقية وتنميتها، وأنه "كلما زاد دور شمال افريقيا كوسيط في اطار العلاقة العربية الافريقية، كلما أتى ذلك بمنافع مباشرة على الجانبين".
زرتم الجزائر في اطار اجتماع ثلاثي للتشاور حول جملة من القضايا من بينها الوضع في ليبيا، كيف تقيّمون هذه المشاورات؟ وما مدى تطابق وجهات النظر بشأن المسار السياسي في ليبيا؟
المشاورات كانت ايجابية جدا ومثمرة الى حد كبير، فهناك تطابق كامل في الرؤى ما بين الجزائر ومصر وتونس، وعمل مشترك دؤوب وتنسيق متواصل، لان الامر ليس مرتبطا فقط بهذه الاجتماعات على المستوى الوزاري، ولكن هناك ايضا اتصالات دائمة على مستوى كبار المسؤولين لنقل الاحداث وتقييمها وتبادل وجهات النظر فيما يتعلق بكيفية مساعدة الأشقاء في ليبيا، بهدف تجاوز الاوضاع الحالية وإنهاء الازمة الراهنة. كما اتاحت الجلسة المغلقة، الكثير من التداول وطرح الافكار بشفافية وبقدر عال من المصارحة، وايضا التفكير في شكل مستقبلي لاحتمالية السيناريوهات، وكيفية بلورة عمل مشترك يساعد على تجاوز الأزمة، والخروج من بعض الانسداد السياسي الراهن. عكس الاجتماع وجود قدر عال من الارتياح، وسنتابع الوضع عن كثب في المرحلة القادمة، ونستمر في التقييم وتبادل التقييم والرؤى، وربما نعمل على تفعيل إطار دول الجوار الاوسع، وايضا استمرار التواصل على المستوى الثلاثي، للتعامل مع كل المستجدات الخاصة بالقضية الليبية.
قلتم إنه كان هناك تطابق كامل في الرؤى خلال الاجتماع، لكن يثير البعض نقطة عدم التوافق فيما تعلق بدور الجيش الوطني الليبي، حيث ترى القاهرة أهمية الدعم العسكري للجيش الوطني الليبي لدحر الإرهاب، في حين ترى الجزائر أن أي تحرك عسكري إقليمي أو دولي في ليبيا دعما للجيش الوطني ينذر بتفجير الأزمة، فما رأيكم؟
كان هناك تطابق مع رؤية مصر حول أهمية ودور الجيش الليبي وضرورة توحيد صفوفه كمؤسسة وطنية، في اطار دعم كافة المؤسسات الوطنية الليبية واضطلاعها بمسؤولياته. وبالتاكيد، فإن الجيش الليبي له دور جوهري في استعادة الاستقرار في ليبيا ومقاومة الارهاب وحماية الاراضي الليبية والحفاظ على وحدة ليبيا واستقرارها، وقد سمعت من زملائي سواء وزير الخارجية الجزائرية عبد القادر مساهل، أو وزير الخارجية التونسية خميس الجنهاوي، من تقدير الجهود التي تبذلها مصر، في اطار توحيد صفوف الجيش الوطني الليبي، وتنظيم هيكله وكوادره بالشكل الذي يخدم المصلحة الوطنية الليبية، ولم اجد اي نوع من عدم التوافق في هذا.
تواجه مصر تحديات متصلة بالوضع في ليبيا، ما هي الخطوات التي يتم القيام بها لترسيخ مسار سياسي يجمع كافة الاطراف، لاسيما وأن القاهرة متهمة بالانحياز لطرف واحد؟ وهل مصر مستعدة لمواصلة سياسة الملاحقة التي أدت الى ضرب معاقل مجموعات مسلحة في درنة؟
انا اعترض على التعليق الخاص بانحياز مصر لطرف واحد فقط، فإذا كان هناك طرفا وحيدا تنحاز مصر له فهو ليبيا فقط، وهذه الاخيرة تجمع كل الاطياف السياسية، لن اقول ليس من العدل الإشارة الى ذلك، لكنى سأقول أنه ليس بالتوصيف الدقيق ان مصر منحازة لطرف ما، بل هي تعمل ولها قنوات اتصال واهتمام بكافة الأطياف الليبية التي تبتعد عن القوة العسكرية او استخدام القوة والتهديد بها، او تكون داعمة للميليشيات التي تعمل خارج نطاق مؤسسات الدولة، فيما عدا ذلك مصر تدعم المسار السياسي منذ البداية، بل راعته، وكان تدخلها مفيدا للاطراف الليبية وهام في نجاح المسار السياسي في 2015، وتظل ملتزمة بهذا المسار وتدعم ايضا وجود المبعوث الاممي، وتعمل بشكل وثيق معه لغاية تقريب وجهات النظر والتوافق فيما بين كافة الاطراف، فمصر ليس لها اي مصلحة في ان تكون معززة لطرف على حساب طرف اخر، ففي النهاية هذا لا يؤدي الى انهاء الانشقاق او الازمة وانما يكرسه، وبالتالي نحن نعمل من اجل ليبيا، هذا هو ما ننحاز اليه، مصلحة الشعب الليبي ومصلحة أن تعود ليبيا دولة مستقرة ذات مؤسسات قادرة على الوفاء باحتياجات ومتطلبات الشعب الليبي، محافظة على وحدة ليبيا واستقرارها، مقاومة وقاضية على الارهاب، وكل ما يؤدي الى ذلك نحن ندعمه.
كيف تتعامل دول الجوار مع التحدي الأمني القائم نتيجة الانتشار الواسع للسلاح في ليبيا وتعدد المجموعات المسلحة بما في ذلك القاعدة و"داعش"، والتي مثلت تهديدا لأمن الدول المجاورة؟
بالتأكيد هذا من التحديات الكبيرة التي تدركها كل مصر والجزائر وتونس، وبالتالي مرة اخرى هي مسؤولية تقع على الاشقاء في ليبيا والجيش الوطني، ونرى أنه كلما اصبحت مسؤولية حمل السلاح للجيش والشرطة الليبية وتدعمت قدرتها في هذا الشأن، كلما استطاعت أن تقاوم هذه التنظيمات التي للأسف تلقى الدعم المادي او المعنوي من اطراف عديدة اقليمية ودولية، تعزز من قدرتها، وتهدد مقدرات الشعب الليبي، وكذا الامن القومي في كل من الجزائر ومصر وتونس. علينا نحن أن نعمل على إنهاء الأزمة حتى تستقر الأوضاع وتوجه القدرات كلها للقضاء على ظاهرة الإرهاب، إلى جانب تعزيز التعاون الأمني فيما بيننا والأشقاء في ليبيا، وفيما بيننا وبعضنا البعض لحماية أمننا القومي، وصد هجمات التنظيمات الارهابية ومحاولة اختراق الحدود المصرية أو التونسية او الجزائرية، وعلينا الاستمرار في العمل مع شركائنا في الاطار المتوسط والدولي، لتعزيز المواجهة الدولية لظاهرة الارهاب وتوفير السلاح للتنظيمات الارهابية. وبالتاكيد لدينا في ليبيا مشكلة متصلة بوجود عناصر وميليشيات تعمل خارج نطاق سيطرة الدولة، والمؤسسات الشرعية المخول لها حمل السلاح، وهو ما يزيد الامر تعقيدا وعدم استقرار الاوضاع في ليبيا.
من المرتقب ان يتم تنظيم انتخابات في ليبيا، إلى أي مدى يمكن لمصر والجزائر أن تدعما المسار بتحدياته وتعقيداته؟ وما موقف مصر في إمكانية ترشح نجل الرئيس السابق سيف الاسلام القذافي؟
نحن نعمل على تحقيق مسار الانتخابات والطرح الذي قدّمه واعتمده المبعوث الاممي من مجلس الامن، بالعمل على تنظيم انتخابات هذا العام، من خلال الاستحقاقات التشريعية والعمل السياسي الذي تتطلبه هذه الانتخابات، ولكن لا نغفل بأنه حتى تكون للانتخابات شرعية ومصداقية لابد أن تتم في اجواء أمنية تؤمّن للأشقاء في ليبيا إمكانية الذهاب إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم بحرية تامة، ودون أي نوع من التهديد أو التوجيه بحكم الترهيب، وهذا عنصر يجب توفره، فكلما كان هناك توافق فيما بين الجهاز التشريعي والتنفيذي وقدرته على صياغة العناصر الضرورية لإجراء الانتخابات تنظيميا وإجرائيا، بحيث أنها تحظى بالشرعية وتكون معبرة بشكل صادق عن إرادة الشعب الليبي، كلما عزز من المسار السياسي، وهو شيء نعمل على تحقيقه بالتعاون مع الجزائر وتونس أيضا. وفيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال والخاص بإمكانية ترشح سيف الإسلام القذافي، فنحن ليس لدينا أي تعليق على أي وضع سياسي داخلي في ليبيا، كما هو مبدأنا المتمثل في عدم التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة، سواء كانت عربية أو إقليمية اأو دولية، وهذه الأمور يقررها ويقدرها الشعب الليبي، ويعطي صوته لمن يثق في قدرته على إدارة البلاد بما يخدم تطلعات الشعب الليبي.
هو نفس مبدأ الجزائر معاليكم، أي عدم التدخل في الشأن الداخلي للدول...
بالتأكيد، الأشياء التي تجمع بين مصر والجزائر، هي السياسة الثابتة والمعتمدة على رؤية ممتدة للبلدين، من خلال قيادتهما وتجربتهما التي فيها الكثير من الصفات المشتركة.
في نفس السياق، شهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر والجزائر دفعة قوية منذ 2014، مع انعقاد الدورة السابعة للجنة العليا المصرية الجزائرية المشتركة، كما ساندت الجزائر مصر في العديد من الأزمات، آخرها عقب إعلان شركة "أرامكو" السعودية عن وقف الشحنات البترولية لمصر، حيث سارعت الجزائر إلى إرسال باخرة مُحملة ب30 ألف طن سولار، واختارت مصر الجزائر ضيف شرف في معرض الكتاب، ما دلالات ذلك؟ وهل هناك مساع لتوسيع دائرة للتعاون؟
العلاقات الوثيقة التي تربط البلدين هي أمر مرتبط بالتاريخ، وبالرصيد الضخم الذي يربط ما بين الشعبين الشقيقين، هناك رابط خاص يربط بين الجزائر ومصر قبل استقلال الجزائر وأثناء حرب التحرير وما بعدها، والتواجد الدائم للرغبة المشتركة والإرادة لدى القيادتين السياسيتين لتدعيم هذه العلاقة والعمل على الارتقاء بها، وهذا يظهر في مستوى اللقاءات على المستوى السياسي والاجتماعات المتواصلة، وربما تتذكرين أن أول زيارة قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كانت لأخيه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وهذا أيضا تمثّل في عقد اللجنة المشتركة في لقاءات مع الوزير الأول، وفي اللقاءات المتكررة على هامش الاتحاد الافريقي، وتبادل الزيارات على المستوى الوزاري في القطاع المختلفة لتكريس المصلحة المشتركة ودعما لخدمة الشعبين، وتحقيق الخطط الفنية الاقتصادية المرتبطة بكلا البلدين. علينا أن نكثف من مجالات التعاون، وهناك شركات مصرية تعمل في الساحة الجزائرية تسهم في الخطط التنموية في الجزائر، وأيضا تعود بالتأكيد بالنفع أيضا على مصر، وعلينا أن نعمل على وجود تكامل فيما بين البلدين، وقدرة تنافسية لكل منهما في مجالات بعينها، يجعل من هذه العلاقة مواتية وإيجابية تعود بالنفع المباشر على الشعبين الشقيقين.
هناك محاولات لإعادة صياغة العلاقات العربية الإفريقية وفق أسس جديدة أكثر متانة وهذا ما لن يتم بصورة حقيقية إلا بتناغم كل القوي العربية – الإفريقية، وعلى رأسها مصر والجزائر، ما رؤيتكم في ذلك؟
بالتاكيد العلاقات العربية الافريقية هي علاقات يجب تنميتها أيضا، وإيجاد مجالات جديدة لهذا التعاون، ومقاومة بعض الرواسب من الماضي، وبعض الانطباعات الخاطئة التي ربما دسها الاستعمار عبر الفترات السابقة، وتضارب المصالح ومحاولات عديدة من خارج القارة للاستحواذ على ثرواتها والنفوذ والتأثير بداخلها. هناك أيضا قناة فيما يتعلق بأن شمال إفريقيا هي دول افريقية عربية، ويجب ان تنتهز هذه الفرصة، لانها ايضا تشكل روابط تاريخية، وكان لمصر والجزائر في فترات مختلفة اسهاما في استقلال الدول الافريقية وتنميتها ببرامج الارتقاء بمستوى المعيشة في هذه الدول، لمقاومة بعض الاغراض، فلدينا رصيد مصر والجزائر كبير، وايضا هناك تنسيق وثيق بين البلدين في إطار الاتحاد الافريقي، مع بقية دول شمال افريقيا لتعزيز فكرة التكامل فيما بين الدول الافريقية، وفتح المجالات والأبواب للتعاون العربي الافريقي، وسوف تعقد اجتماعات قمة للدول العربية الإفريقية لتوثيق الروابط على مستوى القيادات، وكلما زاد دور شمال إفريقيا كوسيط في إطار العلاقة العربية الإفريقية، كلما أتى ذلك بمنافع مباشرة على الجانبين.