“إهانة هيئة نظامية” هو العنوان الكبير الذي وظفه القضاء في متابعة الآلاف من الأشخاص، بعد التعديلات التي أدخلت على قانون العقوبات، وبخاصة منذ أول مراجعة له عام 2001. ويدخل في “الهيئة النظامية” عشرات الفئات من الموظفين بالأجهزة والمرافق الحكومية، تبدأ من عون الشرطة والقاضي، إلى رئيس الجمهورية وقائد أركان الجيش. قال عبد الغني بادي، محام يشتغل كثيرا على ملفات متهمين ب”إهانة هيئة نظامية”، ل”الخبر”، إن التهمة “تستعمل في كثير من الأحيان كرد على البلاغات عن التجاوزات في مراكز الشرطة، فعندما يرفع الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا هذه التجاوزات، يتابعون بتهمة إهانة هيئة نظامية، وهذا ما حدث مع الأستاذ أحمين”، الذي برأه القضاء بغرداية من هذه التهمة قبل أيام، بعد أن توبع بسبب شكوى بالتعذيب في محافظة الشرطة بغرداية، رفعها نيابة عن شخص. وأوضح المحامي أنه يتعامل مع هذه القضايا في 15 ولاية على الأقل، مشيرا إلى أنه زار أمس في السجن شخصا متابعا بإهانة هيئة نظامية، بعد أن أودع شكوى بالضرب ضد عون أمن. وأضاف: “في كل مجالس القضاء يحاكم الأشخاص بناء على هذه التهمة، التي تشملها المادة 144 مكرر من قانون العقوبات، وطبقت على الصحفي محمد تامالت في 2016 وتمت إدانته بعامين سجنا”. وقد احتج تامالت على سجنه بالإضراب عن الطعام دام 3 أشهر، وتوفي في ظروف غامضة. ويذكر المحامي أنه حتى وقت قريب، كانت التهم المرتبطة بالرئيس وقائد أركان الجيش مصنفة “جرما في حق رموز الدولة”، لكن تم التخلي، حسبه، عن هذه التهمة “بعد أن خضنا حملة لإلغائها لأن الأمر يتعلق بوظائف سامية وليست رموزا، وهو ما تثبته المادة 07 من الدستور التي تصنف العلم والنشيد الوطنيين فقط كرموز للدولة”. وتساءل بادي مستنكرا عن سبب “التخلي عن تهم القذف والتصريح الكاذب في مقابل الإفراط في متابعة الناس بتهمة إهانة نظامية”. ويفرد قانون العقوبات بابا يسمى “الإهانة والتعدي على الموظفين ومؤسسات الدولة”، تقع تحته المواد التي تجرم “إهانة قاض أو موظف أو ضابط عمومي أو قائد أو أحد رجال القوة العمومية، بالقول أو الإشارة أو التهديد أو بإرسال أو تسليم أي شيء إليهم أو بالكتابة أو الرسم غير العلنيين أثناء تأدية وظائفهم أو بمناسبة تأديتها، وذلك بقصد المساس بشرفهم، أو باعتبارهم أو بالاحترام الواجب لسلطتهم”، وتصل العقوبة إلى عامين سجنا. من جهته، ذكر رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان سابقا، المحامي بوجمعة غشير، أن تعديل المادة 44 في مراجعة قانون العقوبات عام 2001، “جاء في ظرف تميز بتشدد السلطات ضد الصحافة، وقد اعتبرنا ذلك تضييقا على الحريات بشكل عام، فيما دافعت الحكومة عما اعتبرته تنظيم شأن عام”. وأوضح أن المادة القانونية تشمل رئيس الجمهورية وقائد أركان الجيش ورئيسي الغرفتين البرلمانيتين، وأن النواب العامين بالمجالس وسعوها إلى الولاة والمسؤولين المحليين. وفي تقدير المحامي، إدانة 27 ألف شخص بتهمة إهانة رموز الدولة (إحصائية نشرتها “الخبر” أول أمس)، “رقم ضخم ينسف الخطاب الرسمي الذي يتغنى بحرية التعبير والصحافة”. وأضاف من موقع الذي مارس الدفاع عن المتابعين في مثل هذه القضايا، بأن توجيه هذه التهمة للصحافيين “كان بسبب مقالات حول تورط مسؤولين في الفساد وينبغي إلغاؤها، طالما أن الرئيس شجع الصحافيين بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير على الكشف عن فضائح الفساد”. وتابع غشير: “هناك أيضا قانون المصالحة (2006) الذي توظفه السلطة لمنع الحديث عما يسمى مأساة الوطنية، بحجة أن العودة إلى فترة محاربة الإرهاب يفتح جراحا، الجزائر في غنى عنها، ولكن السلطة مخطئة لأن الجرح يزداد تعفنا إذا أغلقناه من دون أن يعالج”.