تعامل السلطة مع مظاهرات الشعب في يوم الجمعة الماضية يدل على فراغ رهيب في السلطة... رغم أن مظاهرات 22 فيفري الجاري أخطر من مظاهرات 5 أكتوبر 1988 من حيث شموليتها ونوعية مطالبها، إلا أن تجاوب السلطة مع مظاهرات أكتوبر 1988 كان أفضل من تجاوب السلطة اليوم مع هذه المطالب. فالرئيس الشاذلي أسكت مظاهرات أكتوبر بمخاطبته الشعب وشروعه في اتخاذ إجراءات ذات طابع سياسي لإسكات المحتجين، رغم أن المطالب في 5 أكتوبر لم تكن سياسية، عكس ما يحدث اليوم، فالمطالب سياسية واضحة بامتياز، والسلطة تتجاهل الأمر وتتعامل مع الموضوع كما لو كان انحراف “صعاليك”، كما يقول البعض في السلطة... ولهذا راحت الاحتجاجات تتسع في الزمان والمكان إلى شرائح اجتماعية أخرى كالمحامين والطلاب وتلاميذ الثانويات، وقد يأتي على القضية حين من الدهر لا تجد السلطة مع من تتحدث... وسيصل الغليان إلى مرحلة يرفض فيها الشارع الحديث مع السلطة! وكلما تنعم النظام بالغباء في مواجهة الوضع زادت حظوظ التغيير الجذري. اللافت الآن أن المظاهرات لم تتعرض للجيش بأي صورة من الصور وهي رسالة من المتظاهرين (أي الشعب) إلى الجيش واضحة وقوية وذات دلالات سياسية عالية، مفادها أن الجيش الوطني الشعبي غير معني بما يحدث في الحراك السياسي الشعبي الحاصل في البلاد. وبهذا الفهم فهو مستبعد من المواجهة بين الشعب والسلطة السياسية.. هذا إذا لم يكن من واجبه أن ينحاز إلى الشعب لتبرير صفة الجيش الوطني الشعبي الموجودة في تسميته. المظاهرات أيضا بعثت برسالة إلى الجيش مفادها أنه لا يمكن أن يكون كما كان من قبل يشكل قاعدة اجتماعية انتخابية لفائدة مرشح السلطة، ما دام هذا المرشح قد دخل في تفاوض سياسي صريح مع الشعب الذي يتظاهر ضده.. وبالتالي، فإن إجراء هذه الرئاسيات بالمعطيات الموجودة حاليا قد يؤدي إلى مخاطر كبرى ناجمة أساسا عن الانفلات الاجتماعي والسياسي في الشارع وفي المؤسسات الدستورية أو شبه الدستورية، والحكمة تتطلب أن تتخذ قرارات سياسية مؤلمة للنظام ولكنها ضرورية لتجنيب مخاطر أكبر مما يحدث الآن. ماذا لو أن النظام سمع صوت الحكمة وأنجز ما يعد به الشعب اليوم من تنظيم ندوة وتنفيذ إصلاحات؟! وماذا لو قام النظام في متسع من الوقت بتنظيم صفوفه والبحث عن فريق يجدد به نفسه! الآن حصحص الحق وحدث ما كانت المعارضة والشعب يحذرون من حدوثه. هل فهمتم الآن لماذا كنت أعتبر الحديث عن الخامسة مسألة إيجابية... فاستفزاز الشعب بالخامسة هو الذي أدى إلى هذا الذي يحدث الآن وأعطى لنا إمكانية التغيير الجذري للواقع البائس. [email protected]