خيب رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، آمال ملايين الجزائريين الذين خرجوا يوم الجمعة الأخير، معبرين عن رفضهم المطلق لتمديد العهدة الرابعة، و مجددين لمطلبهم ب "رحيل النظام فورا"، فقد عاد ليخاطبهم برسالة وصفت ب "الباردة" اكتفى فيها بالتذكير بخريطة الطريق التي اقترحها يوم عودته الأخيرة من جنيف. ترقب الشعب الجزائري منذ خروجه يوم الجمعة الماضي بالملايين استجابة كاملة، أو جزئية على الأقل، للمطالب التي رفعوها، و التي كان من أهمها الرفض المطلق لتمديد العهدة الرابعة والرحيل الفوري لرموز النظام. لكن و بعد ثلاثة أيام طويلة من الانتظار خرج عليهم رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، برسالة وصفت ب "المخيبة" و "الباردة" و "المستفزة"، حيث بدا منها و كأن بوتفليقة أدار ظهره لمطالب الشعب مؤكدا على ما ورد في خريطة الطريق الأخيرة المبنية أساس على تمديد عهدته الرئاسية الحالية و تنظيم ندوة وطنية، و هي الرسالة الأولى بعد تلك التي أعلن فيها عن ترشحه لعهدة خامسة التي لم تحوي على أدنى تنازل، و لو شكلي. و الغريب أن رسالة أمس، التي تأتي بمناسبة عيد النصر الموافق ل 19 مارس، خلت من أي ذكر لمليونيات الجمعة أو مطالب الشعب، أو الحراك الشعبي المتواصل يوميا في شوارع و مؤسسات كل المدن الجزائرية، كما خلت من أي إشارة إلى الشلل شبه الكلي الذي تعيشه الكثير من مؤسسات الدولة، و إلى الصعوبات الكبيرة التي يواجهها الوزير الأول نور الدين بدوي في تشكيل حكومته، و إلى فشل "الوسيط" الأخضر الإبراهيمي في إيجاد ممثلين حقيقيين للحراك يتمتعون بمصداقية و قبول لدى الشارع "الملتهب" يتحاور معهم، فلا عجب إذا أن يجتمع منشطو منصات التواصل الاجتماعي في وضع رسالة الرئيس الجديدة تحت عنوان "الرئيس في واد و الشعب في واد". و اكتفي الرئيس في رسالة أمس بالعودة تعميما إلى الندوة الوطنية التي سبق أن أعلن عنها سابقا، فلا تفاصيل و لا تواريخ و لا أسماء و لا محاور، فقد جاء فيها : "إن الجزائر مقبلة على تغيير نظام حكمها و تجديد منهجها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي على يد الندوة الوطنية الجامعة التي ستعقد في القريب العاجل بمشاركة جميع أطياف الشعب الجزائري". و قال بوتفيلقة في نص الرسالة : "إن مهمة هذه الندوة مهمة حساسة لأنها هي التي ستتخذ القرارات الحاسمة الكفيلة بإحداث القفزة النوعية التي يطالب بها شعبنا و خاصة أجيالنا الشابة، القفزة التي ستتجسد من خلال تعديل دستوري شامل وعميق سيبت فيه الشعب عن طريق الاستفتاء، تعديلا يكون منطلقا لمسار انتخابي جديد مبتداه الانتخاب الرئاسي الذي سيأتي للبلاد برئيسها الجديد". وواصل كاتب الرسالة قائلا : "سيخول للندوة الوطنية الجامعة أن تتداول، بكل حرية، حول المستقبل الاقتصادي و الاجتماعي للبلاد، مستقبل مثقل بالتحديات في هذا المجال، مستقبل في حاجة حقا إلى إجماع وطني حول الأهداف والحلول لبلوغ تنمية اقتصادية قوية و تنافسية، تنمية تضمن الاستمرار في نمطنا الاجتماعي المبني على العدالة والتضامن"، قبل أن يضيف "و إن هذا النهج سيسهم، لا محالة، في تحرر الجزائر من التبعية للمحروقات، و من تذبذب السوق العالمية لهذه الثروة". ثم أضاف "إن تعزيز بلادنا اقتصاديا و اجتماعيا سيجعلها تقوى أكثر فأكثر على الحفاظ على سلامة ترابها وأمنها في محيط مباشر ملتهب، و في عالم مثقل بمخاطر الأزمات متعددة الأشكال". و فيما ذكر الرئيس بوتفليقة بأن "للجزائر جيشا وطنيا شعبيا سليل جيش التحرير الوطني، جيشا يتميز بالاحترافية العالية، وبروح التضحيات المثالية"، و قال في ذات الصدد أن "أمن البلاد واستقرارها في حاجة كذلك إلى شعب يرقى إلى مستوى تطلعاته الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، ويحرص على استجماع ما يسند به و يعزز ما يبذله جيشنا حاليا في سبيل حماية الجزائر من المخاطر الخارجية، لكي يتمتع هو بالعيش في كنف الاستقرار والسكينة". و أمكن أن نقرأ في ختام الرسالة "تلكم هي كذلك الغاية التي عاهدتكم أن أكرس لها آخر ما أختم به مساري الرئاسي، إلى جانبكم و في خدمتكم، لكي تشهد الجزائر عما قريب نقلة سلسة في تنظيمها، و تسليم زمام قيادتها إلى جيل جديد لكي تستمر مسيرتنا الوطنية نحو المزيد من التقدم و الرقي في ظل السيادة والحرية". و من خلال نص الرسالة، أمكنت ملاحظة عدم اتساقها مع الحراك الساسي الكبير الذي تعيشه الجزائر هذه الأيام و الذي يصفه المتتبعون في الداخل و الخارج ب "الأهم" في تاريخها، حيث حمت الكثير من الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة، و القليل جدا من التفصيل لورقة طريق الرئيس نفسه، و "اللاشيئ" من مطالب الشعب و تطلعاته.