أكد العاصميون، اليوم الجمعة، على تمسكهم بمواصلة الحراك الشعبي إلى غاية تحقيق جميع غاياته، وهي إسقاط الباءات الثلاث: بدوي، بن صالح، وبلعيز، ومحاسبة ومحاكمة المتورطين في قضايا فساد ونهب المال العام، ورفض جميع رموز النظام السابق. عاشت العاصمة، الخميس إلى اليوم الجمعة، ليلة استثنائية، حيث إنّ الكثير من المواطنين قدموا من ولايات مختلفة لتحضير المسيرة السابعة الذي كان منتظرا أن يشارك فيها ملايين المتظاهرين على غرار مسيرات الجمعات الست الماضية. ومنذ الساعات الأولى من صباح اليوم تجمهر المئات من المتظاهرين في ساحة البريد المركزي التي بقي يتوافد عليها المواطنون من أحياء العاصمة، وباقي الولايات المجاورة، رغم الازدحام المروري الكبير في مداخل العاصمة الجزائر، والذي عرقل البعض عن الالتحاق مبكرا بالمحتجين. وفي حدود الساعة الحادية عشرة صباحا، كانت ساحات أول ماي، البريد المركزي وموريس أودان مكتظة عن آخرها بجموع المتظاهرين المستعدين للسير، وتضاعف عددهم بعد صلاة الجمعة، حيث توافد مصلون من مختلف المساجد على وسط الجزائر. ومثل الجمعات الماضية، سار الجزائريون في نهج باستور، نفق الجامعة المركزية بن يوسف بن خدة، ديدوش مراد، وعبر مختلف الشوارع الرئيسية في بلديات العاصمة، وخاصة شارع عيسات إيدير، حسيبة بن بوعلي، عبان رمضان، باب عزون ساحة بور سعيد وغيرها، والتحق بهم متظاهرون من شمال، جنوب، شرق وغرب العاصمة، على غرار الأبيار، بن عكنون، بوزريعة، وشوفالي، زرالدة وسطاوالي، ومن المعالمة وبئر توتة وبئر خادم، ومن الحراش وحسين داي وبراقي، وبرج الكيفان وعين طاية، ومن باب الوادي والرايس حميدو، وغيرها. وقام بعض المواطنين بمبادرات، تمثلت في توزيع قارورات المياه مجانا على المتظاهرين، فيما قام آخرون بتنظيف جميع الشوارع التي مر فيها المتظاهرون، وهو السلوك الذي رافق الحراك الشعبي منذ اليوم الأول للاحتجاج وهو 22 فيفري الماضي 2019. وحسبما وقفت عليه "الخبر"، فقد تمكن المحتجون في العاصمة من إسقاط جميع محاولات التشويش على المسيرة، حيث لم تظهر تلك الصراعات الهامشية التي حاول البعض خلقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، على غرار دعوة الشاب صاحب التحريض على التهجم على المتظاهرات المطالبات بالحرية والمساواة، فلا الشعارات كانت تخرج عن المطلب الواحد، وهو تنحي العصابة، ولا المحتجون تهجموا على أيّ متظاهرة، بل تناول البعض هذه المواضيع بالتنكيت خلال الأحاديث الهامشية، كما أسقط المحتجون النداءات الداعية إلى التفريق الجهوي، رغم أنّ العاصمة كانت أمس ممثلة من طرف جزائريين قادمين من كل الولايات تقريبا، وبعضهم ارتدى اللباس التقليدي لولايته، وهو ما خلق انسجاما بين المتظاهرين لا تفرقةً. كما أكد المتظاهرون على أنّ مصالح الأمن، من شرطة وجيش ليست إلا مؤسسات وجب احترامها، لأنها جزء من الشعب، وهي "مُسلّمة" لا نقاش فيها، وعبروا عن ذلك بالهتافات التي تكررت طيلة المسيرة: "جيش – شعب خاوة خاوة". ومن بين الشعارات المرفوعة تلك المطالبة بتنحي الباءات الثلاث: "بدوي- بن صالح – بلعيز"، من مثل: "لا بدوي لا بن صالح انحبو راجل صالح، العصابة بدوي بلعيز وبن صالح ارحلوا، عصبة بوتفليقة ارحلوا"، وغيرها من النداءات الدَّاعية لرحيل من أسموهم ب"رموز النظام البوتفليقي"، حيث قالوا إنه وجب مُحاكمتهم لا إبقاءهم على رأس حكومة "غير شرعية"، مُبدين استياءهم من أعضاء الحكومة المعينين، والذين اعتبرهم المحتجون لا يقلون سوءًا عن سابقيهم. كما كان لدعوات محاسبة المسؤولين جزءًا كبيرا من الهتافات والشعارات المكتوبة المرفوعة، من مثل: "أيها القضاة اسجنوا الطغاة، أين القضاء الشرفاء الأحرار؟ الشعب يريد العدالة"، كما دعا المتظاهرون إلى إزالة الغموض عن الاجتماع الذي أحدث جدلا واسعا خلال الأسبوع الماضي، ودعوا إلى محاسبة من تخابر مع فرنسا، إن وجد: السعيد، توفيق وطرطاڤ، ودعوا إلى منح أكثر حرية للصحافيين والقضاة. ودعا متظاهرون آخرون باقي البلدان إلى عدم إقحام نفسها في الشأن الداخلي الجزائري، ومن بين البلدان التي كانت محل انتقاد من طرف المحتجين الإمارات العربية المتحدة. واستغل المتظاهرون فرصة الخروج إلى الشارع من أجل التأكيد على المطلب الذي لا تنازل عنه، هو "تتنحاو ڤاع"، أي جميع رموز النظام السابق، وخاصّة منهم المسؤولين الذين لا يزالون في الحكم، سواء بطريقة "غير دستورية"، حيث رفع المحتجون شعارات من مثل: "الشعب لا يريد الڤايد والسعيد، الشعب هو البطل يا ڤايد صالح أنتم خدامين موظفين هند فخامة الشعب"، وغيرها. وشهدت المسيرة مشاركة شخصيات سياسية ووطنية، على غرار رشيد نكاز، مصطفى بوشاشي، سعيد سعدي، هذا الأخير الذي احتج بعض المتظاهرين على وجوده، كما شاركت في المسيرة، ظريفة بن مهيدي، أخت العربي بن مهيدي، وغيرهم. كما سجلت فئات اجتماعية ومهنية حضورها بطريقتها الخاصة، على غرار متقاعدي الجيش الوطني الشعبي، الذين ارتدوا بدلات تشبه الزي الرسمي، واحتجوا بالعشرات في البريد المركزي منذ الساعات الأولى من الصباح، إضافة إلى أهالي المفقودين خلال العشرية السوداء، والذين نظموا بدورهم وقفة احتجاجية دعوا فيها إلى إسقاط "العصابة"، وإلى فتح تحقيق لمعرفة مصير أبنائهم. وواصل المحتجون مسيرتهم السلمية، فيما أقفلت مصالح الأمن الطريق المؤدية نحو شارع محمد الخامس، حيث جندت مئات الأفراد من الشرطة، وعشرات الشاحنات، وبقيت الأجواء سلمية واحتفالية في المساء، حيث شارك في المسيرة رجال ونساء وأطفال وشيوخ ومن مختلف الأطياف والفئات الاجتماعية والمهنية.