إنّ المتبضع في الأسواق الجزائرية يلاحظ على الباعة مع كلّ أسف التّطفيف في الميزان والغشّ في السّلع الّتي يبيعونها ويسرقون المشتري في الأثمان؛ وهي خصال لعمري مذمومة تؤدّي بصاحبها إلى ارتكاب المحرّمات بل الكبائر الّتي نهى عنها الشّارع الحكيم. ونظرًا لأثر التّطفيف الخطير على بناء المجتمع المسلم وتماسكه، أنزل الله عزّ وجلّ فيه سورة خاصة، هي سورة ”المُطفّفين”، قال الله تعالى في فاتحتها: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}. وإنّ مفهوم التّطفيف لا يقتصر على البخس في الكيل والوزن بل يشمل كلّ غش وبخس وخيانة في أيّ عمل أو قول، فالتّطفيف قد يكون في الأعمال والأحوال، كما يكون في الأموال، فالتّطفيف في الأعمال عدم إتقانها شرعًا، ولذلك قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: ”الصّلاة مكيال، فمن وفي وفى له، ومن طفّف فقد علمتم ما قال الله في المطففين”، فكلّ من لم يتقن عمله فعلًا وحضورًا فهو مطفّف فيه. ومن معاني التّطفيف الواسعة بخس النّاس أشياءهم، قال تعالى: {فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ}، يقال: بخسه حقّه إذا نقصه إيّاه. والتّطفيف كبيرة من الكبائر، وهو أكل لأموال النّاس بالباطل، وهو كسب خبيث يدلّ على حقارة نفس فاعله ودناءتها. فمن أسباب ودوافعَ الانغماس في هذه الجريمة، الجهل بأهمية الوفاء بالكيل والوزن في حياة الفرد والمجتمع، هذا إلى جانب الجهل بالأضرار العائدة على الفرد والمجتمع من انتشار ظاهرة التّطفيف. وضعف الإيمان، وقلّة اليقين بما عند الله، وأنّه هو الرّازق وأنّها لن تموت نفس حتّى تستكمل كامل رزقها. واحتقار المطفّف حقوق الآخرين، وتقديم مصالحه الشّخصية ومآربه على حساب مصالح وحقوق إخوانه المسلمين. وللتّطفيف آثار وأضرار تعود على الفرد والمجتمع، فهو ليس بالأمر الهيّن، ولو لم يكن كذلك لمّا توعّد الله مرتكبه بالويل، وعاقبه عليه أشدّ العقوبة، والمطفّف في الكيل والوزن خائن لله ولرسوله وللمجتمع؛ لأنّ الكيل والوزن أمانة، فمَن طفّف فقد خان الله ورسوله وخان النّاس، أمّا خيانته لله، فإنّه قد أمره بالوفاء في الكيل والوزن ولم يوف، قال تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}، ونهاه عن التّطفيف ولم ينته عن ذلك، قال تعالى: {وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}. والمطفّف في الكيل والوزن غشّاش بعيد عن دائرة المسلمين؛ لأنّ الغشّ ليس من صفات المسلم، ولذا نفَى عنه الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الانتساب إلى المسلمين، قال: ”مَن غشّنا فليس منّا”. ويكون بفعله هذا قد ارتكب إحدى الكبائر العظام في الإسلام الّتي لا يغفر لصاحبها إلّا بالتّوبة إلى الله، والإقلاع عمّا هو فيه، والنّدم على ما فعله من التّطفيف، وردّ حقوق النّاس إليهم. وفيه ضياع لحقوق النّاس وأكل لأموالهم بالباطل، وباب لتفشّي الفساد والظّلم والخيانة والاختلاس، فبه تُفقَد الثقة بين البائع والمشتري، لأنّه نوع من الخديعة والمكر، وهذا محرّم في الإسلام. وإنّ أضرار التّطفيف وعواقبه لا تقتصر على شخص مرتكبه، ومَن طفّف عليه فحسب بل يتعدّى ضرر التّطفيف وأثره السّيّئ إلى المجتمع كلّه، لذا يعاقب الله المجتمع الّذي تظهر فيه هذه الجريمة بالقحط والجدب، فينتج عنه شُّحّ الخيرات في الثّمار والحبوب وغيرهما، فيكون التّطفيف سببًا لتعجيل العقوبة على المجتمعات في الدّنيا، إلى جانب العقاب بجهنّم في الآخرة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: ”يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتُم بهنّ وأعوذ بالله أن تدركوهن”، وذكر منها: ”ولم ينقصوا المكيال والميزان إلّا أُخِذوا بالسّنين وشدّة المؤونة”. ومن أهم القيم الأخلاقية الّتي يجب أن يلتزم بها التجار المسلمون: الصّدق والأمانة وتجنّب الشُّبهات وعدم الحلف والوفاء بالكيل والميزان وعدم الاحتكار وتجنّب الجشع وتجنّب التّطفيف في الكيل والميزان. وعلى الدولة مسئوليات جسام نحو مكافحة التّطفيف والغشّ والاحتكار، ويتمّ ذلك بسبل عديدة، منها الرّقابة على المعاملات في الأسواق، وسنّ القوانين الّتي تمنع كلّ ما يُخالف الشّرع والقوانين من أمور البيع والشّراء. في حين، ينبغي على العلماء والمرشدين ووسائل الإعلام أن تقوم بتوعية التجار والباعة بأهمية وفوائد الوفاء بالكيل والوزن، وخطورة وأضرار التّطفيف في حياة النّاس أفرادًا وجماعات. [email protected]