تؤشر دعوة الرئيس، عبد المجيد تبون، فرقاء الأزمة في الجارة ليبيا، على وجود استعداد عند طرفي الصراع للعودة إلى الجزائر من أجل التشاور والتحاور لتحقيق ما خرج به مؤتمر برلين أول أمس. وتأتي الدعوة الجزائرية بعد ترحيب دول إقليمية ودولية بالدور الذي قامت به من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار الأخير بين حكومة الوفاق الوطني والجيش الليبي الوطني. ويرجع هذا الاستعداد الليبي للتجاوب مع المقترح الجزائري، إلى تجربة سابقة ساعدت في التوصل إلى اتفاق السلام الأول الموقع في الصخيرات، وذلك بعد جولات عديدة للحوار استضافتها الجزائر تحت رعاية المبعوث الأممي السابق، الدبلوماسي الإسباني برنادينيو ليون، بوساطة جزائرية. وإذا ما صدقت الروايات، فإن إعلان الرئيس تبون في برلين عن استعداد الجزائر لاستضافة اجتماعات الحوار الليبي – الليبي، يقوم بناء على تأكيد كافة الأطراف المتنازعة في ليبيا على طي صفحة الأزمة والانخراط في مفاوضات تنهي حالة الانقسام الدامي وإعادة بناء الدولة التي انهارت في 2011. وتشترط الجزائر لاستضافة الحوار الليبي، حضور كافة الفعاليات الليبية، بعيدا عن الأضواء والاجتماعات الاستعراضية، بما يضمن نجاح المفاوضات وفقا لخريطة الطريق المتفق عليها والمتضمنة في اجتماعات موسكووبرلين. وتلقى المبادرة الجزائرية دعم الدول العربية، وبخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، وعبرت عن ذلك زيارة رئيس الدبلوماسية المصري سامح شكري حاملا رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الرئيس تبون، وزيارة وزير الخارجية صبري بوقادوم إلى الرياض وأبوظبي عشية مؤتمر برلين، وهي الزيارة التي يكون قد عرض خلالها بوقادوم الأفكار الجزائرية حول المفاوضات. وحول هذه النقطة، يقول مصدر دبلوماسي جزائري ل"الخبر": "تحظى الجزائر بعلاقات جيدة مع المعارضة الليبية، والتوصل إلى اتفاقات مرهون بالضمانات التي أعلنت عنها الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي"، متوقعا أن "يكون المسار طويلا وصعبا". وتتمسك الجزائر بضرورة تشجيع الفرقاء الليبيين لحل الأزمة بالطرق السلمية، ورفض أي تدخل عسكري أجنبي، كما تشدد على أن "دورها هو تسهيل الحوار للتوصل إلى نتائج تضع حدا للمواجهات الدامية في هذا البلد". وما يعزز التفاؤل الجزائري، دور الجزائر المشهود له من طرف الليبيين وجيرانها في الشمال والجنوب، لقاءات جرت في 2014، جمعت قيادات حزبية وشخصيات سياسية ليبية، تزامنا مع لقاءات أخرى في المغرب ومصر.
عقبات على الطريق
وتواجه جهود الجزائر في ليبيا عقبات تعترض تجسيد مقاربة السلام والمصالحة بسبب استمرار خلافات حكامه الجدد، بفعل التدخلات الأجنبية التي تحركها مصالح دول عظمى في المنطقة. أولى العقبات التي تعاني منها الجزائر في ليبيا، إصرار كل طرف من أطراف الأزمة على الاتكاء على أطراف أجنبية تملي عليها خريطة الطريق، وتقف موقف المعارض لإشراك الخصم في أي تسوية، بداعي انعدام الثقة. وطرفا النزاع الليبي، بعد تصفية تنظيم داعش في مصراتة وخليج سرت النفطي، هما قائد الجيش الليبي الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وخصمه فايز السراج رئيس حكومة الوفاق. وبين الطرفين، تعيش باقي الأقاليم الليبية تحت حكم القبائل والعشائر متقاسمة الجنوب الصحراوي في كل من غات وغدامس والزنتان. ولا تتوقف الجزائر عن التأكيد على أنها أعرف الدول بالواقع الليبي، وترجع ذلك إلى ما قدمته ليبيا للثورة التحريرية، من خلال قيامها بإيواء مجاهدي جبهة التحرير وعائلاتهم، والتكفل بأبناء الشهداء، فضلا عن تزويد مختلف مناطق الجزائر بالسلاح. ويطرح مراقبون عدة تساؤلات حول أسباب الصمت الجزائري تجاه مبادرات بعض الدول التي تتخذ من ليبيا مسرحا لأجنداتها، وهو ما كان يتطلب مرور وقت لكي تقتنع بأن ليس للجزائر أية أطماع في ليبيا ولا في خيراتها ولا تسعى لفرض من يحكمها. وبالنسبة إلى المشتغلين على الملف الليبي، فإن "سياسة الجزائر تجاه ليبيا وغيرها غير محكومة بالبهرجة والخرجات الاستعراضية"، في إشارة إلى اللقاءات والمؤتمرات التي جمعت حفتر والسراج لكن بدون أي نتيجة!
توحيد مسارات التفاوض
وفي كلمته أمام المشاركين في مؤتمر برلين، دعا تبون إلى توحيد مسارات الحوار للتوصل إلى حل سياسي توافقي، محملا الدول الكبرى (فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والولايات المتحدة) مسؤولية تفعيل قرارات مجلس الأمن الخاصة بحظر توريد السلاح لطرفي النزاع، ووقف نهب ثروات الشعب الليبي وقوتهم المتمثل في البترول والغاز. وأكد تبون على إلزامية دعم المجتمع الدولي لمقاربة الحل السياسي والسلمي، مسلحا بثقة الفعاليات الليبية في الموقف الجزائري المبني على الواقعية والمعرفة الجيدة من أنها تتحرك في ظروف معقدة، وأن إحراز أي تقدم بعد تثبيت وقف إطلاق النار، يعتبر بصيص النور في النفق المظلم، بما يعزز قدرة الجزائر على التأثير في مجريات الأحداث بعيدا عن التدخل السلبي في الشأن الليبي، وأن الليبيين يريدون النجاح في مسعى الاستقرار والأمن ولا يريدون الفشل، وهم واعون بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم للتوصل إلى تفاهم في أقرب وقت.