يعاني الملايين من الجزائريين المصابين بأمراض مزمنة على غرار السكري وارتفاع الضغط الشرياني، وبعض الأمراض العقلية وأمراض الكبد المستعصية وأمراض أخرى من عدم التكفل بهم، حيث يكتفي المشرفون على علاجهم بتجديد وصفة العلاج دون مراقبتهم طبيا، وهو ما من شأنه أن يتسبب في مضاعفات صحية عندهم. شهدت الوضعية الصحية التي تعيشها بلادنا على غرار مختلف دول العالم، تدهورا في نوعية الخدمات الصحية المقدمة لأصحاب الأمراض المزمنة وغيرهم ممن يصابون بوعكات صحية مفاجئة تتطلب نقلهم إلى المستشفى، أو المعاينة بالعيادة الجوارية للحي أو حتى بعيادة طبيب خاص، والسبب راجع من جهة إلى تركيز كل مستشفياتنا على التكفل بالحالات المعنية بفيروس كوفيد 19، وتوقيف غالبية عيادات الأطباء الخواص لنشاطاتهم مع اتساع انتشار هذا الفيروس، وهو الأمر الذي جعل عددا كبيرا من أصحاب الأمراض المزمنة في حيرة من أمرهم، حيث لم يعودوا يخضعوا لفحص الرقابة الطبية الدوري الخاص بهم، كما أنهم يجدون صعوبات جمة في تجديد وصفات أدويتهم.
مرضى يعتمدون على الأنترت للحصول على وصفات طبية وآخرون يستعيرون أدويتهم من أقاربهم
وفي هذا المجال أكدت لنا ابنة الحاجة مريم، إحدى المصابات بداء ارتفاع الضغط الشرياني، أنها اضطرت لتجديد وصفة والدتها إلى التواصل مع ابنة جارتها، وهي طبيبة عامة تعمل بأحد مستشفيات الجزائر العاصمة، لتترجاها بأن تجدد وصفة والدتها التي نفد دواؤها منذ أيام، الأمر الذي من شأنه أن يعرضها لخطر محدق، خاصة مع القلق اليومي الذي تعيشه والدتها جراء الوضع الحالي، يضاف له انقطاعها عن تعاطي أدويتها. نفس الأمر أكده لنا السيد (ص. أحمد) مصاب بداء السكري من النوع الثاني ويخضع للعلاج بدواء "غليكوفاج" ودواء آخر، حيث اضطر هذا الأخير، بعد نفاد دوائه، إلى التواصل عبر الأنترت بطبيب مختص في أمراض الغدد والسكري، ليجدد له الوصفة، محددا له المقادير التي دأب على تعاطيها، ويبعثها له عبر تقنية "الفايبر"، ليتولى المريض عرضها من خلال هاتفه النقال على صيدلي الحي الذي يقطنه، والذي قبل تزويده بالدواء اعتبارا للوضع الذي تعرفه البلاد. من جهتها أكدت لنا السيدة (ق. فتيحة)، التي تعاني من الأرق وتعالج لدى مختص في الأمراض العقلية، وتخضع لتعاطي بعض المهدئات حتى تخلد للنوم، ومع استمرار الوضع الصحي الذي تشهده البلاد، نفدت أقراص التنويم التي لا تستغني عنها هذه السيدة، لتتفاجأ بغلق طبيبها لعيادته الخاصة، كما لم تتمكن من التواصل معه عبر الهاتف، الأمر الذي اضطرها للاتصال بأختها التي تأخذ ذات الدواء، طالبة منها أن تعيرها علبة منه في انتظار أن تجد حلا لمشكلتها. توجهنا بأسئلتنا حول تيهان هؤلاء المرضى، إلى بعض المختصين في الطب، وبخصوص هذه المشكلة أكد لنا البروفيسور منصور بروري، اختصاصي الأمراض الداخلية بمستشفى بئر طرارية، أنه كان يتوقع الوصول لمثل هكذا أوضاع، مضيفا أنه اقترح لدى تعامله مع اللجنة الطبية المكلفة بمكافحة فيروس كوفيد 19 المستجد، أن يخصص مستشفى واحد على مستوى الجزائر العاصمة، وليكن مستشفى مصطفى باشا الجامعي، للتكفل خصيصا بأصحاب الأمراض المزمنة والحالات الاستعجالية، وأن لا يتكفل بحالات كورونا تماما، "لكن لم يتم أخذ اقتراحي بعين الاعتبار"، يقول بروري، وتم فتح كل المستشفيات والمؤسسات الاستشفائية لاستقبال كل الحالات التي يشتبه في إصابتها بالفيروس، وبالتالي من غير المعقول أن يقصدها أصحاب الأمراض المزمنة، كون خطر العدوى عندهم مضاعفا. من جهتها، أكدت لنا اختصاصية الأمراض التنفسية، سامية كرميش، حول مشكل التكفل بأصحاب الأمراض المزمنة المطروح، أن الإشكال مطروح منذ شهرين، لأن الأمر يتعلق بمرضى في حاجة إلى تكفل طبي متواصل ودوري، متسائلة لماذا لم تتخذ وزارة الصحة بالتنسيق مع وزارات أخرى على غرار العمل والتضامن، إجراءات خاصة بهذا الوضع، موضحة أنه كان بالإمكان تخصيص مستشفى قائم بذاته للتكفل بهؤلاء المرضى، خاصة وأن العديد من المصالح الطبية معطلة حاليا ومتوقفة عن العمل، "فمثلا تخصص مصلحة الجراحة الموقفة حاليا إلا للاستعجالات، تخصص للتكفل بمرضى السكري على سبيل المثال، على أن تخصص مصلحة أخرى لمرض ارتفاع الضغط"، تقول محدثتنا، وهكذا نضمن أن كل أصحاب الأمراض المزمنة متكفل بهم في مستشفى واحد لم تصله عدوى حالات كورونا التي توجه لمستشفيات أخرى للتكفل بها، مؤكدة على أن الأمر يتعلق بتنظيم يشترط أن يكون محكما لتسيير الوضع، حيث يتم تخصيص مكان للاستقبال والفرز، يقصده كل المرضى ويخضعون لقياس درجة الحرارة عندهم ولبعض الاستفسارات قصد التأكد من عدم إصابتهم بالفيروس، ومن ثم يوجهون للمصلحة التي تتكفل بمرضهم المزمن، لتطرح كرميش مرة أخرى مشكل العيادات الخاصة المغلقة، موضحة أنه حتى وإن أراد الطبيب فتح عيادته الكائنة بعمارة من عمارات حي ما، فإن سكان الحي يمانعون لا محالة استقبال عمارتهم لمرضى قد يكونون حاملين للفيروس.