كشف مدير وقف أيسلندا الإسلامي، الأستاذ كريم عسكري، أنّ مسلمي أيسلندا قرّروا الاستفادة من تجارب المسلمين في فرنساوبريطانيا والبدء من حيث انتهوا، مشيرًا إلى أنّهم يتمتّعون بالحريات نفسها الّتي يكلفها الدستور لكافة المجتمع الأيسلندي. وأكّد في حوار خصّ به “الخبر” أنّ “القيم الكونية الّتي نتقاسمها لا تنفي الخصوصيات الثقافية لكلّ مجتمع على حدا”. متى دخل الإسلام إلى أيسلندا؟ يبلغ تعداد المسلمين حوالي 3000 مسلم، من مجموع سكانها ال365000 نسمة. تعرّف المجتمع الأيسلندي على الإسلام والمسلمين منذ عام 1627م عندما قام الأسطول العثماني آنذاك بغزو جزيرة في جنوب أيسلندا، ما أدّى إلى مقتل بعضهم واختطاف 234 شخص للرق في شمال إفريقيا، معظمهم نساء، حسب الروايات الأيسلندية. وإلى غاية 1959م وصل أوّل مسلم ليستوطن أيسلندا، وبعده آخر سنة 1961م، ثمّ بدأ عدد المسلمين في تزايد جرّاء الحروب الّتي كانت تشهدها بعض الدول الإسلامية ودول البلقان إلى غاية 1997م حين أنشئت أوّل جمعية إسلامية وكان عدد المسلمين قليلا آنذاك، وبعدها في سنة 2009م أنشأنا المركز الثقافي الإسلامي، وبعده وقف أيسلندا الإسلامي ليكون أوّل وقف إسلامي في الجزيرة. هل اندمجت الأقلية المسلمة في المجتمع الأيسلندي؟ بعد بحث طويل ودراسة ميدانية، توصّلنا إلى أنّ اندماج المسلمين في أيسلندا حتمية وضرورة لمن أراد أن يكون مواطنًا فعالًا في المجتمع الأيسلندي، والعيش بكلّ حرية وكرامة. ولا يعقل أن يعلّق المسلم فشله في مواكبة أسلوب العيش في البلد الجديد على الارتباط المبالغ فيه بالهُوية، حيث أنّ الأخيرة في نظري قابلة للتكييف حسب السياقات والوضعيات. هل يعني الاندماج الذوبان في ثقافة الآخر؟ رغم كلّ القيم الكونية الّتي نتقاسمها، فهذا لا ينفي الخصوصيات الثقافية لكلّ مجتمع على حدى. لا بدّ أن تغلب كفّة القيم الكونية المشتركة بين مكوّنات المجتمع المدني على القناعات الفردية حتّى نتمكّن من تحقيق الاندماج الحقيقي في المجتمع، دون حاجة منّا إلى أن نجعل من الاندماج ذوبانًا ثقافيًا نفقد به خصوصياتنا وقناعاتنا. ما دور الوقف في خدمة الإسلام والمسلمين؟ وضعنا خطّة لخدمة الإسلام والمسلمين في هذه الجزيرة، وقسّمنا أعمالنا إلى محاور: المسلمون: قمنا بتوفير مسجد ليكون الحاضن لهم ولتُقام فيه الجمعة والجماعات والمواعظ والاحتفال بالمناسبات الدّينية وغيرها، وإقامة الدّورات التحسيسية وتعليم اللغة الأيسلندية. أبناء المسلمين: قمنا بتوفير مدرسة لتعليم اللغة العربية والتّربية الإسلامية وتنظيم الرحلات والمخيّمات الهادفة لهم وترسيخ مبدأ الاعتزاز بالهُوية الإسلامية ومبدأ الاختلاف واحترام القانون. المهتدون الجُدد: العناية بهم ومحاولة توفير رحلات حجّ وعمرة لهم وتقديم كلّ العون لهم وتوفير كلّ احتياجاتهم، حسب الإمكانيات الّتي تتوفر عليها. غير المسلمين: بإقامة الأيّام المفتوحة في المسجد والمعارض وفي الأسواق والساحات العمومية، وتوزيع الكتيبات والمنشورات، وإطعام الطعام لتأليف القلوب وتحسين الصورة القاتمة الّتي يُروّج لها أعداء الإسلام. التّواصل الحضاري والعلاقات العامة: بناء جسور وثقة بين الوقف والدوائر الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، وعقد شراكات معهم بإنشاء دورات تكوينية ومحاضرات وندوات في كلّ المجالات، خاصة فيما يخص الاندماج والمواطنة، وكذلك الانضمام إلى مؤسسة حوار الأديان والمشاركة معهم في كلّ ما يخدم الصالح العام والمحافظة على أمن واستقرار البلد. هل تواجهون مشاكل في بناء المساجد؟ الحمد لله لا توجد عندنا مشاكل، فحرية المعتقد والحمد لله موجودة، وكلّ ديانة أو كلّ فئة أو أتباع ديانة ما لهم الحقّ في بناء أو شراء مكان وتحويله إلى مكان للعبادة. هل توجد عنصرية تهدّد مسلمي أيسلندا؟ بصراحة، العنصرية قليلة جدًّا، وأنا دائمًا أقول إنّ “العنصرية تكون بما كسبت أيدينا”، لأنّ الشعب الأيسلندي بطبعه شعب مُسالم وطيّب وهو الغالب عليه. لكن مَن أتى بالعنصرية إلى هذه البلاد هم الأجانب أنفسهم، نظرًا لتعاملهم مع بعض وتعاملهم مع القوانين بالاحتيال، فالجاليات المسلمة أو الجالية بصفة عامة تتخبّط في مشاكل كثيرة، من بينها أنّه في بعض الحالات يقوم الزوج وزوجته بالطلاق المدني ويحتفظون بالطلاق الإسلامي بسبب زيادة دخلهم، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلًا، وكذلك العمل وغيره الكثير، وهذا ما جعل بعض الأيسلنديين ينظرون إلى الأجانب بعين عنصرية، ولكن الغالب لا وجود للعنصرية والحمد لله. عدد ساعات الصيام في أيسلندا تصل إلى 22 ساعة، كيف تأقلمتم بصوم هذه السّاعات؟ نعم هناك قرابة 20 ساعة، لكنّها وصلت في شهر جوان قبل ثلاث سنوات إلى 22 ساعة و5 دقائق، وكان أطول يوم صيام لنا هو يوم 21 من شهر جوان، يعني أنّه في أواخر شهر ماي وشهر جوان وبداية شهر أوت كان الصّيام طويلا جدًّا ووصل إلى 22 ساعة. أمّا هذه السنة، فهو معقول في حدود 20 ساعة، وإن شاء الله في السنوات القادمة بإذن الله سينزل كلّ سنة بحوالي 40 دقيقة، حتّى يصل الصّيام إن شاء الله في السنوات القادمة عندما يكون رمضان في شهر ديسمبر أو جانفي إلى ثلاث ساعات. ما مدى الحرية الّتي يكفلها الدستور للمسلمين؟ الحريات الّتي يكفلها الدستور للمسلمين وللأجانب بصفة عامة هي الأشياء نفسها الّتي يكفلها للأيسلنديين، لا يوجد فرق في القوانين ولا في الحقوق ولا في الواجبات، هي الشّيء نفسه والحمد لله، ولا يوجد أيّ اختلاف بيننا وبينهم. فقط يجب على الأجانب بصفة عامة وعلى المسلمين بصفة خاصة أن يلتزموا بقوانين هذه البلدان وبدستورها، وأن يحترموا قوانين هذا البلد. وإن شاء الله سيكون لمسلمي أيسلندا نموذج متميّز بالمقارنة مع الدول الباقية، لأنّنا هنا والحمد لله في مسجد أيسلندا الكبير قرّرنا الأخذ بتجارب الدول السابقة، مثلًا إخواننا في فرنسا أو في بريطانيا الّذين سبقونا بقرن ونيف أو عدد كبير من السنوات. إنّنا نبدأ من حيث انتهوا، ونستفيد من كلّ تجاربهم في شيء اسمه المواطنة، وأنّنا نشجّع الآن المسلمين في أيسلندا على أن يكونوا أيسلنديين مسلمين، ولا يقولوا إنّهم فقط جاؤوا لفترة ثمّ يعودون إلى بلدانهم الأصلية، بل يستوطنون في هذا، وعليهم كلّ الواجبات والحقوق الّتي تجعل منهم مواطنين صالحين.