الإسلام يأمر بحفظ النّفس البشرية، ويتجلّى ذلك في أمرين اثنين: الأوّل الحفاظ على ذاته الإنسانية ومقوّماتها، وتشريع الأحكام الّتي تكفل تحقيق الذّات الإنسانية من ناحية وتحصيل المقوّمات الضرورية لذلك، سواءً كانت هذه الأحكام خاصةً بالفرد أم كانت هذه الأحكام عامةً في المجتمع كلّه. والثاني منع الاعتداء على الذّات الإنسانية، مهما كان هذا الاعتداء، وعلى أيٍّ حال وكيفية كان، فالإنسان في ذاته وبغضّ النّظر عن أيّ تصنيفٍ له على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدّين أو أية اعتبارات أخرى أغلى ما في الوجود، لأنّه بنيان الله عزّ وجلّ، ولا تستقيم الحياة ولا يعمر الكون إلّا بالحفاظ عليه، والارتقاء به، ويكون ذلك في ضروراته وحاجياته وما إلى ذلك فيما يتعلّق بوجوده كإنسان حيّ مقتدر وفاعلٍ متأثّر ومؤثّر فيما حوله وفيمن حوله. تُعرَف هذه الضّرورات في الإسلام بالضّرورات الخمس، وهي الحفاظ على نفسه وعقله ونسله وماله ودينه، وعلى الإنسان وعلى المجتمع كلّه أن يعنى بتوفير احتياجاته الإنسانية المختلفة من حيث أمنه وصحته وغذائه وإيوائه وبيئته النقيّة الطّاهرة، وهذا ما جاءت به الشّرائع الإلهية، وأقرّته ونادت به قوانين العدالة البشرية جمعاء. إنّ وقوع المصائب والبلايا بعدل الله تعالى وهو من تقصيرنا في حقّ ربّنا وفي حقّ نفوسنا، قال سبحانه: «مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا»، وقال تعالى: «وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ». فنحن نرضى بالقدر ونُسلِّم لله المُقَدِّر، وأمّا المقدور فإن كان خيرًا فمن فضل الله، وإن كان شرًّا فبما كسبت أيدينا، ونسأل الله العافية. لكن يجب علينا الأخذ بالأسباب الموجبة لحفظ النّفس، فمن حقّ الجسد على العبدِ المسلم العناية بطعامهِ وشرابهِ، فلا يُدخل عليه ما يُؤذيه، ولا يُدخل عليه إلّا المقدار المناسب له من الطعام، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنِه، بحسْبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلبَه، فإن كان لا محالةَ، فثُلُثٌ لطعامِه، وثُلُثٌ لشرابِه، وثُلُثٌ لنفَسِه». وعليه بالمحافظة على نظافته والعناية به، وتحري أسباب الوقاية من الأمراض الّتي قد تُصيبه إن أهمل جسده ولم يعتنِ به وبنظافته، روى عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «طَهِّروا هذه الأجسادَ طهَّرَكم اللهُ فإنَّه ليس مِن عبدٍ يبيتُ طاهرًا إلَّا بات معه في شِعارِه مَلَكٌ لا ينقلِبُ ساعةً مِنَ اللَّيلِ إلَّا قال اللّهمَّ اغفِرْ لعبدِك فإنَّه بات طاهرًا». ومن حقّ الجسد على المسلم فعل ما يُقوّيه ويساعده على توفير الطاقة له كممارسة الرياضة بأنواعها، ومراعاة أنواع الرياضة الّتي تناسب كلّ شخص، ليحافظ المسلم على جسده، ويكون بعيدًا عن الأمراض والهُزال. أمّا فيما يتعلّق بالحجر الصحي، والّذي يُعدّ من أهم الوسائل للحَدِّ من انتشار الأمراض المعدية الخطيرة في العصر الحاضر، وبموجبه يمنع أيّ شخص من دخول المناطق الّتي انتشر فيها هذا النوع من المرض، والاختلاط بأهلها، وكذلك يمنع أهل تلك المناطق من الخروج منها، سواء أكان الشّخص مصابًا بهذا المرض أم لا، وقد بيَّن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عدد من الأحاديث مبادئ الحجر الصحي بأوضح بيان، ومن هذه الأحاديث: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تَدخُلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تَخرجُوا منها»، وقوله: «فليس من عبد يقع الطاعون فيمكُث في بلده صابرًا يعلَم أنّه لن يُصيبه إلّا ما كَتَبَ الله له إلّا كان له مثل أجر الشّهيد». وكذلك نهى الإسلام عن مخالطة الصّحيح للمريض مرضًا معديًا، ومن الأدلة على ذلك: «كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنّا قد بايعناك فارجع»، وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفرّ من المجذوم كما تَفِرّ من الأسد». كما أنّ العزل وحصار الأوبئة مطلوب من وجهة النّظر الدّينية؛ فقد نهى الإسلام أن يخرج الإنسان من بيئة موبوءة إلى بيئة سليمة، ولا يدخل في بيئة موبوءة وهو في بيئة سليمة؛ كما روي عن عمر بن الخطاب أنّه عاد إلى المدينة راجعًا من الشام عندما بلغه أنّها موبوءة بالطاعون، وعندما اعترض عليه أبو عبيدة قائلًا (أتَفِرّ من قدر الله؟) أجابه قائلًا: «أَفِرّ من قدر الله إلى قدر الله». وفي هذه الظروف الّذي يجتاح فيها العالم وباء كورونا، نحن في أمسّ الحاجة لتوعية النّاس بالأساليب الوقائية الصحيحة والمجربة، لا سيما أنّ الوقاية مطلب ديني لقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: «فِرّ من المجذوم فرارك من الأسد»، والجُذَام مرض مُعْدٍ فتّاك. كما أنّ الاستغناء عن العلاج بالتّوكُّل لا يكفي إذا لم يواكب التوكّل بذل الأسباب، فقد ورد أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال للأعرابي الّذي ترك راحلته دون أن يعقلها متذرّعًا بالتّوكّل: «اعْقِلْهَا وتَوَكَّل». [email protected]