أفاد رئيس النقابة الوطنية للقضاة، يسعد مبروك، بأن "تعجيل البت في استئناف ملف مراسل "فرانس 24" (منصف آيت قاسي) وملف عون الحماية المدنية (متهم في الاعتداء على طبيب)، لم يكن ناتجا عن ضغط أو أوامر فوقية، ويبقى (التعجيل) قانونيا ومشروعا، فيما يظل رفض طلب تأجيل ملف كريم طابو أمام مجلس العاصمة للحيلولة دون الإفراج عنه خطأ لا يستقيم مع قواعد المحاكمة العادلة". نشر يسعد مبروك على حسابه في "الفايسبوك" نصا ل"النقاش" حول قضية أثارت الكثير من الجدل، تتعلق ب"إيداع متهم ثم الإفراج عنه في اليوم الموالي"، على غرار ما حدث لعدد من المتهمين، ودافع مبروك عن هذا الإجراء واعتبره "قانونيا سليما"، فيما ألقى باللوم على وزارة العدل التي، حسبه، لم تتدخل لإزالة الغموض حول هذه النقطة رغم ما صاحبها من تأويل. وكتب مبروك: "عجت مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام التقليدية، في الأسابيع الماضية، بجدل ونقاش قانوني مثير بخصوص مدى قانونية إيداع متهم ثم الإفراج عنه في اليوم الموالي، وذهب البعض إلى وصف ما حصل بأنه قضاء جزائي استعجالي، تلميحا إلى غرابته وعدم شرعيته حسب اعتقادهم، فيما صنف البعض الآخر الإجراء بأنه تكريس لعدالة الهاتف والأوامر الفوقية، التي تملى على القضاة، وفي كل هذا غابت مصالح وزارة العدل التي من واجبها تنوير الرأي العام بحقيقة المسائل الإجرائية والقضائية التي تهم الرأي العام وتركته رهينة لآراء فايسبوكية افتقدت الموضوعية في غالبها". ونبه مبروك، في مسألة إفراط لجوء القضاة إلى الحبس المؤقت خلافا لقانون الإجراءات الجزائية، موضحا: "كنت ومازلت وسأبقى من المؤمنين بأن حرية الناس شيء مقدس، والحبس المؤقت لأي متهم يبقى إجراء استثنائيا جدا، مع الإقرار بأن ذهنية بعض القضاة تكرسه كقاعدة للأسف، دون أي تدخل مهما كان مصدره، وهذه إشكالية أخرى لست بصدد مناقشتها في هذا المقام، طالما أن موضوع الحال يتعلق بالإفراج السريع عن متهم بعد إيداعه، دون تغير في معطيات ملفه موضوعا في الفترة الممتدة بين الإيداع والإفراج". واستفاض مبروك في تفصيل مسألة "إيداع متهم ثم الإفراج عنه في اليوم الموالي"، مشيرا إلى أنه "من المتفق عليه أن الآجال المقررة في قانون الإجراءات الجزائية من النظام العام، هي مقررة لحماية مصالح الأطراف وحقهم في الدفاع، كما أن النص الجزائي يفسر تفسيرا ضيقا في الأصل ولا يتوسع في تفسيره، إلا إذا كان في مصلحة المتهم". وأضاف: "وفي موضوع الحال يكون الإفراج عن المتهم الطاعن في أمر الإيداع في اليوم الموالي للاستئناف عملا قانونيا سليما، طالما أنه حقق له مصلحة فضلى، ولا يمكن التحجج بمهلة 48 ساعة المنصوص عليها لضمان حقه في تحضير دفاعه، علما أن القاضي هو محامي الجميع، ومن صميم عمله حماية حقوق الجميع مهما كانت مراكزهم، ونفس الكلام ينطبق على استئناف المتهم المحكوم عليه بعقوبة نافذة عندما يجدول ملفه بسرعة ويفرج عنه مع تأجيل الملف للسماح لباقي الأطراف بممارسة حق الاستئناف في نفس الحكم". وبشأن "الاستعجال الذي يحقق مصلحة المتهم المستأنف ويصحح خطأ قاضي الدرجة الأولى بأقل الأضرار"، حسب مبروك، "هو تطبيق لروح القانون، غير أن ما يسوؤه أنه لم يطبق على جميع المتعاملين مع العدالة، وهنا يظهر الخرق الخطير الذي يتعين التنبيه إليه ومحاربته من الجميع، وهو الإخلال بمبدأ المساواة أمام القانون ويصبح فضائحيا التعجيل في قضايا والتماطل في جدولة قضايا أخرى، وتأجيل البت فيها دون مسوغ قانوني". ولفت رئيس نقابة القضاة إلى قضيتين لتوضيح الوضع القانوني ل"الاستعجال"، الأولى تخص مراسل "فرانس 24" والثانية للسياسي كريم طابو، موضحا: "تعجيل البت في استئناف ملف مراسل "فرانس 24" وملف عون الحماية المدنية، لم يكن ناتجا عن ضغط أو أوامر فوقية يبقى قانونيا ومشروعا، فيما يبقى رفض طلب تأجيل ملف كريم طابو أمام مجلس العاصمة للحيلولة دون الإفراج عنه خطأ لا يستقيم مع قواعد المحاكمة العادلة". وختم مبروك منشوره ب"استقلالية القضاة"، مبرزا أن "قوام القضاء العادل الشرعية والمساواة والسعي للإنصاف بعيدا عن شعبوية البعض وتزلف وانبطاح البعض الآخر، ومعركة الاستقلالية الفعلية التي تتطلب تضافر جهود الجميع مع الاستعداد للتضحية، لأن السعي للتغيير دون تكلفة هو هدر للجهد دون نتيجة".