توفي، أول أمس، شخص يبلغ من العمر 75 سنة، كان في طابور بمكتب البريد لحي الكرز وسط مدينة تلمسان وهو يرتقب حصوله على معاشه بعد إصابته بأزمة قلبية أدت إلى وفاته، لتؤكد هذه الحادثة أزمة السيولة المالية التي تشهدها وكالات البريد واحتقان وتذمر زبائن البريد الذين أقدم بعضهم بالبريد المركزي في الأغواط، يوم أمس، على غلق الطريق العمومي للمطالبة بأجورهم ومعاشاتهم. الشخص المتوفى كان ضمن الواقفين في الطابور أمام مكتب بريد حي الكرز بتلمسان منذ الصباح الباكر، أصيب بأزمة قلبية أدت إلى وفاته، حيث شيعت جنازته بعد صلاة العصر أمس. وقام المدير الولائي للبريد، خيثر مهدي، بزيارة عائلة الفقيد مقدما تعازي وزير البريد وتكنولوجيات الاتصال. واعترف المسؤول ذاته، في تصريح ل"الخبر"، بوجود أزمة سيولة خانقة لكنها عابرة، وهذا رغم المجهودات المبذولة كما قال، مضيفا أن الولاية تضم أكثر من 89 ألف متقاعد يلزمهم أكثر من ملياري دينار لتسديد معاشاتهم، مشيرا إلى توفير الأموال عن طريق البنك المركزي، وعلى المواطنين الالتزام بالهدوء واحترام التعليمات في مجال محاربة وباء كورونا، لأنهم سيحصلون على أموالهم في أجل لا يتعدى عشرة أيام.
رزنامة تسديد الأجور زادت من المحنة
وتشهد مكاتب البريد منذ عدة أسابيع أزمة حقيقية في توفير السيولة المالية للمواطنين بسبب محدودية السيولة الممنوحة لها من طرف بنك الجزائر وعمليات إيداع النقود المحدودة بسبب جائحة كورونا، مقابل ارتفاع عمليات السحب وحجمها الكبير من طرف المواطنين، لاسيما بعد رفع منح المعاقين والمنحة الجزافية للتضامن، وتسديد منح المتضررين من وباء كورونا وكذا المساعدات الاجتماعية في رمضان والتعويضات التحفيزية للعاملين في مواجهة الوباء، مع غياب رزنامة مدروسة من طرف بريد الجزائر لعمليات دفع الأجور والمعاشات التي تتراكم في منتصف الشهر مقابل غيابها في بدايته، أضف إلى ذلك تأخر الحكومة في تطبيق المادة 111 من قانون المالية الملزمة لكل متعامل اقتصادي بوضع وسائل الدفع الإلكتروني.
مواطنون ينامون في العراء أمام مكاتب البريد
وتسببت أزمة نقص السيولة بمكاتب البريد في تشكيل طوابير كبيرة في العديد من الولايات، إلى حد لجوء بعض المواطنين إلى المبيت في العراء أمام مكاتب البريد، رغم إجراءات الحجر الصحي وتعليمات التباعد الاجتماعي للوقاية من وباء فيروس كورونا. ففي تيزي وزو أضحى سحب المواطن راتبه من البريد من الإنجازات العظمى بعد اصطفافه فجرا أمام وكالة البريد للحصول على راتبه أو معاشه بكل من آيت بو وادو، واضية، واسيف، أث يني وغيرها من المدن الداخلية وحتى بعاصمة الولاية، حيث ينتظر المواطن فتح المكاتب البريدية للفوز بمكان من بين الأوائل أو التسجيل في قائمة الوافدين حسب التوقيت، راجيا عدم الاصطدام بعبارة "غياب السيولة اليوم". وفي المدية أضحت ظاهرة الطوابير المصاحبة لعمليات سحب النقود من طرف المواطنين والمتقاعدين من مكاتب البريد تصنع ألم الكثير، رغم إقحام المصارف الآلية للبنوك في صرف مستحقات زبائن البريد وكذا المركز البريدي المتنقل، دون حل هذه المشكلة العويصة التي باتت تتكرر بين 18 و25 من كل شهر وتشكل وضعا كارثيا وجب التكفل به. أما في الأغواط، فقد لجأ بعض الشيوخ إلى المبيت أمام مكاتب البريد وتشكيل طوابير منذ صلاة الفجر يوميا، أملا في تموين مكاتب البريد بالنقود من بنك الجزائر للحصول على مستحقاتهم. استمرار الأمر لعدة أشهر دفع هؤلاء للاحتجاج وغلق الطرقات ومكاتب البريد، مطالبين بتوفير السيولة في أقرب الآجال. وفي تبسة، قام بعض زبائن بريد الجزائر بكل من بلديات الشريعة وقريقر والمسلولة بالعوينات وحتى بمكتب بريد طريق قسنطينة وسط مدينة تبسة، بغلق الطرقات ووقف حركة المرور في إشارة منهم لمللهم الشديد من الطوابير اليومية التي تبدأ فجر كل يوم إلى غاية عصره دون سحب نقودهم من حساباتهم البريدية، وهو ما سبب حالات من الإغماء، خاصة بين المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة في ظل الارتفاع الكبير لدرجات الحرارة. وتتواصل نفس المشاهد في سعيدة مع طوابير الانتظار، حيث عجز العمال الأجراء والمتقاعدون عن سحب أموالهم وحتى الموزعات الآلية فارغة أو معطلة. وقد احتج المواطنين من بينهم مرضى وطاعنون في السن أمام البريد المركزي وراسلوا الجهات المعنية لوضع حد لهذه الأزمة. ويرى البروفيسور، حفاي عبد القادر، أستاذ في الاقتصاد والنظام المصرفي بجامعة الأغواط، أن أزمة السيولة المالية التي تعيشها مكاتب البريد جعلت حوالي 27 مليون مواطن يمتلكون حسابات بريدية على المستوى الوطني يجدون صعوبة في سحب أموالهم، معتبرا الوضع كارثة تمس بصورة الوطن، لكن تشخيصه حسب المتحدث يشير إلى أن الأزمة غير مفهومة، خصوصا وأنها مست البريد دون البنوك من أجل التأثير على العصب الذي يربط الشعب والمواطن البسيط صاحب المنحة والمعاش والأجر البسيط بالدولة. وأضاف الأستاذ أن الأزمة غير مرتبطة بالاقتصاد وحلها مبني على تخمينات وإيحاءات في ظل تصريحات المسؤولين لأنها للأسف تخفي أزمات أخرى وجب معالجتها بصفة جادة لأن بعض التجار ورجال الأعمال باتوا يمتلكون خزائن في بيوتهم ومكاتبهم رغم وجود القوانين التي تخص السياسة النقدية. من جهته، يعتبر البروفيسور عبيرات مقدم إجبارية الودائع وتطبيق نظام الدفع بالبطاقة حلا بنسبة 60 في المائة لهذه الأزمة، مع تسليط عقوبات على التجار المتهربين من هذه الإجراءات خوفا من الضرائب لأن القوانين موجودة وتحتاج إلى تطبيق.
الحكومة تفتح تحقيقا وتقترح حلولا
وتحركت الحكومة بعدما دعا رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى التحقيق في نقص السيولة المالية ببعض البنوك والمراكز البريدية وتقديم تبريرات بارتفاع عمليات السحب إلى 4 آلاف مليار سنتيم في شهر واحد واقتراح حلول بديلة إثر استدعاء مجلس وزاري مشترك لدراسة هذا الملف، مع الاعتراف بوجود نقائص من الناحية العملية والإدارية رغم محاولة تبرير الأزمة في البداية بالتذبذبات الناتجة عن تعطل عجلة النشاط الاقتصادي بسبب جائحة كورونا، مع وجود خلفية تحوم هذا الخلل بخلق البلبلة في صفوف المواطنين في انتظار تحديد الأسباب بعد التحقيقات الكاملة والدقيقة. وتقترح الحكومة منذ جانفي الفارط توسيع عمليات سحب النقود من طرف زبائن بريد الجزائر من موزعات البنوك، وتسقيف عمليات السحب وتمديد عمليات دفع معاشات المتقاعدين لعدة أيام منذ 18 من كل شهر إلى يوم 26، إضافة إلى منح نهائيات الدفع الإلكتروني للتجار مجانا، واقتراح موزعين داخل الإدارات العمومية لتسديد الأجور، مع استحداث مؤخرا خدمة "بريد باي" بالدفع عن طريق الهاتف النقال لتسهيل دفع مستحقات المشتريات والفواتير عن بعد، إلا أن هذه الحلول لم تحل الأزمة.