يتوجه الجزائريون، غدا، إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء على تعديل الدستور، بعد ثلاثة أسابيع من حملة الشرح والإقناع ب"فضائل" مضمون الدستور الجديد، دأب خلالها الطاقم الحكومي ومستشارو رئيس الجمهورية، ورئيس أركان الجيش، على الدعوة للمشاركة بكثافة. موازاة مع هؤلاء، وجدت أحزاب الموالاة القديمة الطريق معبّدا أمام قياداتها الجديدة لاستعراض للقوة، مقابل تضييق واضح على خصومهم المعارضين لمشروع الدستور، حيث منعوا من لقاء أنصارهم وتبرير أسباب رفضهم للمسعى الرئاسي. وقد وجدت المعارضة في طريقة تمرير وثيقة الدستور على البرلمان دون تمكين النواب من مناقشته، وفي تركيبة لجنة صياغته برئاسة لعرابة، ورقة رابحة لإبراز غياب النوايا الصادقة في إحداث تغيير جذري لنظام الحكم. كما استعانت السلطة بتنظيمات المجتمع المدني، التي ساهمت بطريقة ملحوظة، في سد عجز السلطات العمومية في مواجهة تبعات وباء كوفيد-19 خلال الأشهر الماضية، ما دفع بالحكومة ورئاسة الجمهورية إلى التفكير في استرجاع هذه القوة الاجتماعية بهدف تأطيرها لتصبح مستقبلا رافدا في تجسيد السياسات التنموية، على المستوى المحلي تحت عنوان الديمقراطية التشاركية. كما كانت السلطة تراهن بشكل واضح على ترتيبات لها صلة بمرحلة ما بعد اعتماد الدستور الجديد، وهو تنظيم انتخابات برلمانية ومحلية يكون للتيار "الحر" غير المتحزب الأثرة واليد الطولى فيها، رغم الانتقادات التي وجهت لعدد من مكوناته، على اعتبار أنها زوائد للنظام القديم التي كانت تشكل لجان المساندة في الاستحقاقات الانتخابية. ولم تمر هذه الملاحظات بسلام على الحكومة وأعضائها الذين ومن دون مبرر استغرق بعضهم في ارتكاب الخطأ تلو الخطأ، ما تسبب في ثورة في مواقع التواصل الاجتماعي، مثلما حصل مع وزير الشباب والرياضة، سيد علي خالدي، الذي هيّج رواد الفضاء الأزرق متسببا في أضرار مباشرة وجانبية لا يمكن نسيانها عندما خيّر الناخبين بين القبول بالدستور الذي دستر ثورة أول نوفمبر أو الرحيل عن البلد! ولا يمكن طي صفحة حملة الاستفتاء على دستور 2020، دون الإشارة إلى الظروف الاستثنائية التي جرت فيها، حيث لا يمكن الفصل بينها وبين تصاعد أرقام الإصابة بفيروس كورونا رغم الإجراءات الاحترازية. كما لا يمكن تجاهل الحدث الكبير الذي يقع منذ أسبوعين، وهو غياب الرئيس عن حملة الدستور جراء إصابته بالفيروس وخضوعه منذ الأربعاء للعلاج بألمانيا التي نقل إليها بنصيحة من الأطباء، وهو ما يؤكد حاجة الجزائر إلى الكثير من الجهود لإعادة الاعتبار إلى القطاع الصحي الذي يزخر بالكفاءات مقابل عجز فادح في التجهيزات والهياكل والممارسات الفاسدة.