لجأ نظام المملكة المغربية إلى استهداف جيرانه وحتى حلفائه من دول أوروبية عبر برنامج بيغاسوس التجسسي، وأضاف لرصيده فضيحة تجسس كبرى بعدما كشف تحقيق أجرته 17 وسيلة إعلام دولية، أن مخابرات المملكة استولت على قائمة تضم أسماء نحو 50 ألف هدف وضع طيلة سنوات تحت نظام مراقبة وتجسس استهدف منظمات حقوقية وشخصيات ومسؤولين حكوميين من خصوم وحلفاء المخزن على حد سواء. خلّف النهج التجسسي لنظام المخزن ردود أفعال قضائية وحقوقية متنامية في عدة دول، بعدما فجرت وسائل إعلام فرنسية قضية تجسس مخابرات المخزن على هواتف ذكية لسياسيين وصحافيين فرنسيين وجزائريين وصحراويين وحتى مسؤولين إسبانيين وقادة حكومات أوروبية. كان الانزلاق المغربي المرتبط بتوسع رقعة المستهدفين ببرامج الجوسسة الإلكترونية، أشهر فضيحة استدعت التنديد الدولي وصنّفتها منظمة العفو الدولية على أنها تكشف "أزمة حقوق إنسان عالمية". ظلت هذه الأنشطة التجسسية التي يقوم بها نظام المخزن غير معروفة لدى الرأي العام الدولي إلى غاية صائفة 2021، عندما أقدمت بعض المنظمات الحقوقية إلى كشف الاختراقات الإلكترونية التي قامت بها الفرق التقنية التابعة لجهاز الإستخبارات المغربية خلال السنوات الأربع الماضية وبالأخص سنة 2019 . وسارعت منظمة العفو الدولية، فور كشف الفضيحة، إلى مطالبة المجتمع الدولي بوقف بيع واستخدام تقنيات التجسس بشكل مؤقت إلى حين وضع إطار تنظيمي لها. ولم تتوقف المنظمات الدولية عن التحذير من التأثير المدمّر لصناعة برامج التجسس غير المنظمة على حقوق الإنسان في العالم. فعلى مشارف السنة الجديدة 2023 لا تزال تداعيات الجوسسة المغربية تثير الاستنكار الدولي والإقليمي بعدما توالت الفضائح ومحاولات نظام المملكة التأثير على صنّاع القرار الأوروبي والبرلمانيين والفاعلين في السياسة الأوروبية، في انتظار ما ستفضي إليه التحقيقات القضائية التي أطلقتها عدة دول، منها فرنساوالجزائر وإسبانيا، في ظل دعوات إلى التقليص من "التأثير المدمّر لصناعة برامج التجسّس غير المنظمة على حقوق الإنسان في العالم". في الأشهر الأخيرة، أعادت المنظمات تذكير الحكومات والمجتمع الدولي ب"فرض وقف مؤقت على بيع واستخدام تقنيات التجسس"، قائلة إن "المزاعم عن استخدام الحكومات -على رأسها المغرب- برنامجا زوّدتها به شركة صهيونية للتجسس على صحافيين ونشطاء ورؤساء دول "كشفت أزمة حقوق إنسان عالمية". ورغم مرور سنة ونصف على تفجير الفضيحة من طرف صحيفة "لوموند" الفرنسي، لازالت تداعيات التجسس التي استهدفت نشطاء وصحافيين عبر برنامج "بيغاسوس" الذي طوّرته شركة "أن.أس.أو غروب" المملوكة للحكومة الصهيونية، تثير ردود أفعال على المستويين الدولي والإقليمي، فبعدما لجأت السلطات الفرنسية إلى القضاء، سارعت السلطات الجزائرية إلى فتح تحقيق سيبراني بأمر من النائب العام لدى مجلس قضاء الجزائر العاصمة بشأن تعرّض مسؤولين سامين ومواطنين وصحافيين جزائريين إلى تجسّس مغربي مباشر بواسطة برنامج "بيغاسوس" بالموازاة مع تقدّم شخصيات ومؤسسات صحفية جزائرية إلى القضاء الفرنسي والجزائري كضحايا لعمليات تنصّت طالت هواتفهم واتصالاتهم، بينما خرجت المخابرات الإسبانية قبل أشهر لتدافع عن رئيس الحكومة الاشتراكية و"تهوّن" من الاستهداف الإلكتروني الذي قادته مخابرات المخزن على بيدرو سانشيز.
المخزن لا يفرّق بين حلفائه وخصومه
ومما أثار انتقادات واستنكارا دوليا واسعا، هو استغلال المغرب هذه التقنية للتجسس على هواتف صحفيين وسياسيين فرنسيين لم يسلم منها حتى الرئيس إيمانويل ماكرون، الأمر الذي دفع بالرئيس الفرنسي لطلب عقد جلسة "استثنائية" لمجلس الدفاع الفرنسي اليوم من أجل مناقشة هذا البرنامج. وكان القضاء الفرنسي قد توصّل بعدة شكاوى من مؤسسات صحفية وصحافيين مستقلين ومحامين ونشطاء حقوقيين فرنسيين كانوا ضحية عملية التجسس الخطيرة على هواتفهم النقالة تثبت ضلوع السلطات المغربية وهو ما دفع بالنيابة العامة الفرنسية، لفتح تحقيق بشأن القضية. برنامج بيغاسوس التابع لمجموعة "إن إس أو" والقادر على تشغيل كاميرا الهاتف أو الميكروفون وجمع بياناتهما "في صلب فضيحة كبرى بعد تسريب قائمة تضم أسماء نحو 50 ألف هدف مراقبة محتمل لمنظمات حقوقية". يذكر أن منظمتي "العفو الدولية" و"فوربيدن ستوريز" الفرنسية تعاونتا مع مجموعة من المؤسسات الإعلامية، بينها "واشنطن بوست" و"غارديان" و"لوموند" لتحليل القائمة ونشرها، واضطر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان على قائمة الأهداف المفترضة، إلى تغيير رقمه وجهاز الهاتف الذي كان يستخدمه. وقالت أغنيس كالامارد، الأمينة العامة لمنظمة العفو في أحدث بيان لها مرتبط بالفضيحة، إن هذه التقنيات "لا تعرّض الأشخاص المستهدفين بشكل غير قانوني للأذى والضرر فحسب، بل لها أيضا عواقب مزعزعة للاستقرار على حقوق الإنسان العالمية وأمن البيئة الرقمية بشكل عام". وأضافت أن مجموعة "أن أس أو" التابعة للكيان الصهيوني "مجرد شركة واحدة فقط"، ولفتت إلى أن "هذه صناعة خطيرة عملت على حدود المشروعية القانونية لفترة طويلة ولا يمكن السماح لها بالاستمرار"، مضيفة "الآن نحن بحاجة بشكل عاجل إلى تنظيم أكبر لصناعة المراقبة الإلكترونية والمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان ومزيدا من الإشراف على هذه الصناعة الغامضة". وفي هذا الشأن، دعت منظمة العفو إلى "الوقف الفوري لأي تصدير أو بيع أو نقل أو استخدام لتقنيات المراقبة حتى يتم وضع إطار تنظيمي لها يتوافق مع حقوق الإنسان". وقالت كالامارد: "حقيقة إن قادة سياسيين من العالم وغيرهم كانوا ضحية تقنيات برامج التجسس, يؤمل منه أن يكون بالنسبة إليهم ولدولهم بمثابة دعوة طال انتظارها للتيقظ للإسراع بتنظيم هذه الصناعة".