تشهد العلاقات الجزائريةالقطرية تطورا لافتا في مجال الاستثمار، انطلق من دفء وتفاهم سياسي بدأت بوادره منذ مجيء رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم، وصار يتجلى في إبرام اتفاقيات في مختلف المجالات وتبادل الزيارات بين قائدي البلدين في عدة مناسبات سياسية ورياضية. وتفرّعت عن هذا التقارب السياسي في أعلى مستوى زيارات بين رجال أعمال ورؤساء رابطات ومجموعات اقتصادية واستثمارية، أفضت إلى إبرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم، آخرها التوقيع على اتفاقية إطار بين الجزائروقطر، أول أمس، تقضي بتعزيز التعاون والاستثمار في مجال تطوير وتسيير وحدات فندقية تابعة للمجمع العمومي "فندقة سياحة وحمامات معدنية" من قبل الشركة القطرية "رتاج" للفنادق والضيافة، وهو مجمع تتبع إليه كل الفنادق العمومية المنتشرة عبر التراب الوطني وعدة مؤسسات وفروع سياحية، وكان يشهد، بالرغم من الإصلاحات والمجهودات، صعوبات في إقامة نموذج سياحي يستقطب السائح المحلي والأجنبي، فيما يتعلق بالأسعار والخدمات وكذا عقم في التصورات والمنتجات السياحية والتسويق لها. وتنص هذه الاتفاقية التي وقع عليها كل من الرئيس المدير العام للمجمع، محمد أنور بن عبد الواحد، ورئيس مجلس المديرين لشركة "رتاج" القطرية، الشيخ نايف بن عيد آل ثاني، تحت إشراف وزير السياحة والصناعة التقليدية، ياسين حمادي، على "تعبئة الاستثمارات اللازمة للارتقاء بالوحدات الفندقية، تماشيا مع المعايير المعمول بها دوليا والرفع من جودة الخدمات في هذا المجال". وستعمل شركة "رتاج" القطرية للفنادق والضيافة، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الوطنية، في إطار هذه الاتفاقية على دعم الفنادق التابعة للمجمع والبالغ عددها 73 فندقا على المستوى الوطني في مجال التسيير والتأهيل وتحسين الخدمات لاستقطاب السياح، وهو ما اعتبره وزير السياحة "استفادة من خبرات وتجارب الشركة القطرية". وقبل هذه الزيارة بنحو شهرين، استقبل رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، رئيس رابطة رجال الأعمال القطريين، الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني، والوفد المرافق له، تناولا ملف الاستثمار والتعاون في المجال الصحي، بحضور وزير الصحة عبد الرحمان بن بوزيد. وكان الرئيس تبون قد التقى مع أعضاء رابطة رجال الأعمال القطريين، على هامش زيارته للدوحة لحضور القمة السادسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، وفيه رحب الشيخ فيصل بالرئيس تبون وأكد على "أهمية هذا اللقاء الذي يعد خطوة هامة لتعزيز العلاقات القطرية- الجزائرية وتحقيق المزيد من التعاون الاقتصادي، ما يساهم في فتح جسور التواصل وتشجيع المستثمرين في كلا البلدين على مضاعفة الاستثمارات المشتركة". وفي اللقاء الذي نقل تفاصيله موقع رجال الأعمال القطريين، تحدث الشيخ فيصل عن تجربته الخاصة كمستثمر في الجزائر، مركزا على "أهمية السوق الجزائرية والإمكانيات الطبيعية والاقتصادية الكبيرة للبلد، إضافة لوجود أراض شاسعة وخصبة تهم المستثمرين في المجال الزراعي". من جانبه، عبر الرئيس تبون عن "سعادته بهذا اللقاء مشيدا بالعلاقات الأخوية والمتنامية التي صقلتها عقود من التعاون الاقتصادي حتى باتت قطر أكبر مستثمر عربي في الجزائر وتستحوذ على 74% من مجموع الاستثمارات الأجنبية بالجزائر". وعدد تبون خلال الجلسة العوامل المساعدة للشراكة مع قطر، في مقدمتها التنمية المستدامة التي تنتهجها الجزائر واستحداث جملة من القوانين والنصوص التشريعية بما يتوافق والمعايير العالمية، بالإضافة إلى التشابه الكبير في مناخ الاستثمار في البلدين وأيضا موقع الجزائر الذي يقدم مميزات كبيرة للمستثمرين وانفتاحها على السوقين الأوروبية والإفريقية، يقول تبون. وتتمثل المجالات المستثمر فيها والمرشحة للاستثمار في قطاعات التعدين والأدوية والسياحة والصناعة والخدمات والزراعة والفلاحة والسياحة والتعليم. ويرى القطريون، وفق ما استطلعت "الخبر"، أن الزيارات التي قاموا بها كانت "موفقة" وتؤكد أن مناخ الاستثمار في الجزائر "مختلف عن السابق"، مشيرين إلى أن قانون الاستثمار الجديد "يخدم المستثمرين" وأن الموقع الاستراتيجي للجزائر ومؤهلاتها تؤهلها لتكون "أهم دولة في المنطقة". ومن بين المشاريع التي تندرج في التقارب الجزائريالقطري مشروع المستشفى الجزائريالقطري الألماني، إلى جانب الشركة الجزائرية-القطرية للصلب المتواجدة بالمنطقة الصناعية بلارة ببلدية الميلية ولاية جيجل، التي دخلت حيز التنفيذ وصارت تدرس خطط بداية تصدير الفائض، حيث تعتبرها سلطات البلدين بمثابة "ثمرة شراكة اقتصادية عربية ناجحة في ميدان تصنيع الحديد". وكان نائب المدير العام للشركة، سفيان شايب ستي، قد كشف عن مشروع توسعة هذا المركب في إطار "استكمال مسار نجاح الشركة بصفة خاصة والشراكة العربية-العربية بصفة عامة"، مبرزا أن الخطوة مؤشر على دخول الشركة مرحلة دراسة الجدوى وتحديد أهم احتياجات السوق المحلية والمتوسطية وحتى العالمية. وساهم المركب الذي يتربع على مساحة 216 هكتار، وفق المصدر نفسه، في تنويع منتجاته وتغطية احتياجات السوق المحلية بالمواد الحديدية للتقليل من الواردات، فضلا عن توفير منتجات تحتاجها الأسواق الدولية ومن ثمة تنويع وتوسيع دائرة الصادرات خارج المحروقات. كما أفاد المصدر بأنه "بعد تمكن المركب من تحقيق الأهداف المسطرة منذ 2017 - تاريخ دخوله مرحلة الإنتاج - من خلال توفير حديد التسليح بكل المقاسات وكذا اللفائف والأسلاك الحديدية، يتجه الآن نحو إضافة منتجات متنوعة، على غرار الأنابيب والمسطحات الحديدية وخطوط السكة الحديدية ومنتجات أخرى ستحددها دراسة الجدوى التي ستكون جاهزة نهاية السداسي الثاني من العام القادم 2023". وبلغة الأرقام، ساهم المركب في استقطاب اليد العاملة محليا، وسط توقعات أن يرتفع عدد مناصب الشغل المباشرة من 2.400 عامل إلى 4000 عامل، ناهيك عن مناصب العمل غير المباشرة التي ستكون بالآلاف. كما حقق إلى غاية نهاية أكتوبر المنقضي إنتاجا يقدر بنحو 1.1 مليون طن من المنتجات، على أن يصل نهاية السنة الجارية حدود واحد فاصل ثلاثة (1,3) مليون طن يوجه نحو 80 بالمائة منه إلى السوق المحلية و20 بالمائة نحو التصدير لعديد الدول بأوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا بقيمة مالية تعادل 150 مليون دولار، على أن يصل الإنتاج حدود 4 ملايين طن بعد دخول المرحلة الثانية حيز الخدمة. وكان محمد بن طوار الكواري، عضو مجلس إدارة غرفة قطر، قد كشف في لقاء مع الرئيس تبون، بالدوحة مطلع العام الفائت، أن نسبة نمو التبادل التجاري بين البلدين في العام 2021 قد ارتفعت بنسبة 12%، حيث بلغت قيمته نحو 148 مليون ريال قطري مقابل 132 مليون ريال في العام 2020. وأشار بن طوار إلى وجود نحو 52 شركة قطرية جزائرية مشتركة تعمل في السوق القطري في قطاعات متنوعة مثل التجارة والمقاولات والخدمات والأزياء والمفروشات والديكور والتعليم، منوها إلى أن السوق القطري يرحب بالشركات الجزائرية وهنالك فرص كبيرة لإقامة شراكات وتحالفات بين الشركات القطريةوالجزائرية لإقامة مشروعات مشتركة، سواء في قطر أو الجزائر. ولا تزال وتيرة الشراكة تشهد منحنى تصاعديا، متجاوزا الكثير من الشراكات التقليدية التي ظلت متواجدة في السوق الجزائرية، على غرار الفرنسية والأوروبية.