من مفارقات الصراع الفلسطيني الفلسطيني أن تتحول إسرائيل (عدو الأمس واليوم والغد) إلى حكم يحدد مصير الفلسطينيين وتدعي حمايتهم من بعضهم البعض. وتحولت اسرائيل باعجوبة إلى قاض بين حركتي "فتح" و"حماس" بعد ان عرفت كيف تستغل خلافاتهما الدموية بل وإلى ناصح لعشرات الفلسطينيين الذين لجأوا اليها هربا من نار الاقتتال الداخلي في قطاع غزة وحثتهم على التوجه إلى الضفة الغربية خوفا على حياتهم من بطش حركة حماس. وأكدت سلطات الاحتلال الاسرائيلي أمس أنها ستنقل إلى الضفة الغربية عناصر حركة فتح الذين فروا إليها اثر المواجهات مع حماس في قطاع غزة بزعم أن حياتهم ستكون في خطر في حال عودتهم إلى قطاع غزة. وكان أكثر من 200 عنصر من حركة فتح من بينهم قادة سياسيون فروا مساء السبت الأخير من قطاع غزة إلى إسرائيل في صورة مهينة إثر الاشتباكات الدامية التي نشبت بين شرطة حركة حماس المسيطرة أمنيا على القطاع وعائلة احمد حلس المنتمية إلى حركة "فتح" في مشهد غير مسبوق لخص باختصار درجة الهوان التي أل إليها البيت الفلسطيني وبلغ حد الاستنجاد بالعدو. وذكرت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنه "على اثر طلب من الرئيس الفلسطيني ورئيس وزرائه سلام فياض اللذين تحملا مسؤولية امن الفلسطينيين الفارين باشر الجيش الإسرائيلي منذ أول أمس إعادتهم إلى قطاع غزة" . غير أن قوات الاحتلال التي مارست أبشع عمليات التقتيل والتعذيب ضد الفلسطينيين وتتلذذ بمقتل الأطفال الرضع والنساء قالت أنها اضطرت إلى تعليق العملية بعدما تلقت معلومات اكدت قيام قوات حركة حماس باعتقال الفارين المنتمين لحركة فتح وان حياتهم في خطر" . وكان الوضع الأمني انزلق في قطاع غزة بعد عملية التفجير التي استهدفت قبل أزيد من أسبوع شاطئ غزة وأدت إلى مصرع خمسة أعضاء من عناصر كتائب عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة حماس وطفلة في السادسة من العمر وحملت حركة حماس مسؤوليتها على غريمتها حركة فتح. وتسببت حملات الاعتقال التي شنتها قوات حركة حماس لمطاردة المتورطين في التفجير في اندلاع اشتباكات دامية في حي الشجاعية بغزة بين هذه القوات وأعضاء من عائلة حلس المحسوبة على حركة فتح والذين اتهمتهم حماس بالوقوف وراء التفجير. ولكن فرار الفلسطينيين إلى إسرائيل وجد مبرره لدى السلطة الفلسطينية التي ألقت باللائمة على حركة حماس بعدما اتهمتها بالقيام بأعمال إجرامية في قطاع غزة. وقال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية أن المشكلة التي نجمت عن قيام قيادة حركة حماس "من عمل إجرامي مدان " ضد أبناء الشعب الفلسطيني في حي الشجاعية أدى إلى اضطرار أعداد كبيرة منهم إلى الفرار الى داخل إسرائيل بينهم أطفال ونساء. وأضاف في بيان صحفي أمس" أن الرئيس محمود عباس حرص عبر اتصالاته مع أطراف مختلفة على إنقاذ حياة من يتهددهم الخطر من قبل ميليشيات حركة حماس ولهذا اصدر توجيهاته للجهات المعنية في السلطة الوطنية بالعمل على إدخال هؤلاء إلى أراضي السلطة الوطنية في الضفة الغربية وفى نفس الوقت عدم إفراغ قطاع غزة من سكانه وذلك بتمكين النساء والأطفال من العودة إلى بيوتهم" . وان كانت خلافات الإخوة الأعداء بلغت درجة الهوان من دون ان يدفعهم ذلك إلى إعادة مراجعة حساباتهم خدمة للقضية الأم فان حالة الانقسام التي تنخر قلب الجسد الفلسطيني أثارت استياء عديد الجهات الفلسطينية التي طالبت بضرورة العودة إلى طاولة الحوار لتسوية كافة الخلافات بعيدا عن لغة الرصاص والنار التي لن تجلب إلا المزيد من المآسي لأبناء الشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق، نقل عمر عبد الرازق وزير المالية السابق في أول حكومة شكلتها حركة "حماس" والذى أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عنه بعد اعتقال دام ستة وعشرين شهرا رسالة من السجناء الفلسطينيين من مختلف الفصائل يطالبون فيها ببدء الحوار بين حركتى "فتح" و"حماس" للخروج من عنق الزجاجة التي علقوا بها. وقال المسؤول الفلسطيني السابق " إن كل المعتقلين الفلسطينيين من جميع الفصائل سواء من "فتح" أو "حماس" يوصون القيادات السياسية فى غزة والضفة بالجلوس معا للحوار للخروج من المأزق الذى يعيشه الفلسطينيون وقضيتهم. وأكد على أن المعتقلين يركزون على عدم العودة الى الماضي وأنه لابد من محاولة الخروج من المأزق الحالي، واشار الى أن هناك "عقولا خلاقة" من الفلسطينيين تستطيع الخروج من هذا المأزق فيما يحقق مصلحة القضية الفلسطينية بعمومها وسكان الضفة الغربية وقطاع غزة على وجه الخصوص.