ينظم قسم الفلسفة بجامعة قسنطينة، بالاشتراك مع مخبر "فلسفة العلوم الإنسانية" ومخبر "الدراسات التاريخية والفلسفية"، والتعاون مع الجمعية الجزائرية للدراسات التاريخية يومي 23 و24 نوفمبر القادم، ملتقى وطنيا حول "الفلسفة التطبيقية وتماثلاتها لمشكلات الإنسان المعاصر"، ويهدف الملتقى إلى تجديد دور علوم الفلسفة باعتبارها وسيلة لنهضة اجتماعية وحضارية شاملة. أصبحت الفلسفة في زمننا الراهن مدعوة إلى المساهمة في تأمّل ووعي المشكلات الجديدة المتسارعة والمتجددة التي ما فتئت تنتجها الحضارة التقنو -علمية الراهنة، والتي لم يعرف لها الإنسان نظيرا عبر التاريخ، علما أنّ الفلسفة عانت بدورها البؤس على مدار أزيد من قرن نتيجة انحسارها في السؤال الكلاسيكي الذي يعني أنّ التفلسف هو دخول إلى عالم التجريد والمطارحات النظرية التي لا تحيل إلى الواقع المعيش، ويبدو حسبما تطرحه إشكالية الملتقى أنّ التحوّلات التي أحدثتها الفلسفة الوضعية والعلماوية المتطرّفة على أسلوب تفسير الواقع أدت إلى ضيق أفق العقل البشري وتحوّله إلى أداء فعلي فقط، ومن الواضح أن هذا الانحسار في معالجة التصورات زاد من بؤس السؤال الفلسفي وفقدانه المصداقية. ذهبت الفلسفة الوضعية إلى شكل من التجانس بين غايات العلم وغايات الإنسان لتحصر الغاية الإنسانية في مجرد السيادة على الطبيعة، إلاّ أنّها ستكون السبب المباشر في إعادة فتح النقاش في القضايا أنهاها تصوّرها الإبستيمولوجي (فلسفة العلوم)، إنّها القضايا الأشد ارتباطا بسؤال العمل، حيث بدا الإنسان يتوق إلى تفسير أكثر اتّساعا لأفقه الأكسيولوجي (علم القيم)، وهنا تستعيد الفلسفة مرة أخرى وفي زمان انتصارات البيولوجيا مثلا الجدارة، لتحضر في قلب المناقشات الكبرى عن نجاعة التطبيقات التقنو -علمية داخل الفضاء الحضاري الراهن، لذلك تتحوّل الفلسفة إلى السؤال الخاص بنجاعة التصوّرات البيوتكنولوجية في الطب والإيكولوجيا وعن تخليق السياسة في عالم معاصر تحكمه المصالح الجيوسياسية المرهونة بالرغبة الاقتصادية وعن جدوى وسائل الاتصال المعاصرة وغيرها من قضايا الإنسان في عصر التحكّم التكنولوجي. تحاول إشكالية الملتقى التأكيد على أنّ كلّ فكر متمرس وواع بمعنى التفلسف يقرّ بأنّ الحكمة الفلسفية الحقة تتجلى في الجانب العملي السلوكي والتطبيقي اليومي، ليكون العمل والتطبيق هو مركز ثقل الفعل الفلسفي وماهيته الأولى، فمنذ أن تحوّلت المهمة الرئيسية للفلسفة مع "كانت"، ثم من بعده "ماركس" من مهمة تفسير العالم إلى محاولة الإسهام في تغييره، لم تنفك الفلسفة عن قراءة الواقع اليومي للإنسان والمجتمعات المعاصرة من أجل المساهمة في إيجاد الطرائق والوسائل المتنوّعة والفعّالة بغية مقاربتها إيجابيا بما يعود بالنفع والسعادة على الإنسان من أجل إنسانية أكثر تحكّما في مصيرها. هكذا تمثّل الفلسفة التطبيقية سؤالا آخر عن مصير الإنسان الذي تمكّنت منه التقنية واحتلت فضاءاته الحيوية واضطرته إلى الخضوع لأحلامها التي لا تنتهي، وهنا ينصهر مطلب الصناعة مع غرائز الاستهلاك ويجتمعان لترسيخ المظهر التحكّمي الذي مثّله اقتصاد ليبرالي لا يحيا إلاّ على ترجمة الرغبات الإنسانية المادية المتصاعدة. تطرح إشكالية الملتقى "مدى إمكانية وقدرة الفلسفة التطبيقية على إخراج الإنسان المعاصر من مأزق الخوف وإمكانيتها في سدّ فراغ ثقب أسود حفرته العدمية في الضمير والسلوك الإنساني"، أم "أنّ التحوّلات نحو بناء فضيلة في زمن العولمة يستوجب قلبا جذريا لوعي الإنسان لذاته؟"، بالتالي كيف ستتمكّن الفلسفة من تغيير الإنسان والعالم على ضوء تأسيسها لفضاء جديد للتفلسف حول قضايا الإنسان؟ للإشارة، يهدف الملتقى إلى تشجيع البحث الفلسفي الجاد والمبدع وإتاحة الفرصة للنخب الفلسفية للالتقاء من أجل تلاقح الأفكار وتبادل مساحات الاهتمام وكذا إبراز مساهمة الجامعة الجزائرية في النقاشات الفلسفية العالمية الراهنة وإبراز جدية وأصالة مقاربتها للإشكالات المطروحة، وإعادة الفلسفة إلى مكانتها الطبيعية في المجتمع كوسيلة حضارية لتأصيل الحوار السلمي والتسامح وقبول الآخر وغرس قيم العيش معا عن طريق ترقية الحجاج العقلي المنطقي وغرس ثقافة التميز والاختلاف. يتضمّن الملتقى خمسة محاور أساسية هي؛ "مسائل الحقوق والعدالة"، "معضلات الأخلاق الحيوية"، "استشراف مشكلات التربية والمعرفة"، "مقاربات فلسفية للثقافة" و"تنوّعات وخبرات فلسفية"، كل هذه المحاور لها مباحث فرعية. للإشارة، فإنّ أن آخر أجل لتلقي ملخصات المحاضرات سيكون يوم 25 سبتمبر الجاري وستخضع المداخلات للتحكيم العلمي من طرف اللجنة العلمية للملتقى التي يترأسها الدكتور إسماعيل زروخي، وسيكون الرد على المداخلات والبحوث المقبولة في 12 أكتوبر القادم.