يكتسي عيد الأضحى المبارك أهمية خاصة في مجتمعنا، فقد يحرم أحدهم نفسه من أشياء كثيرة طيلة أشهر قبيل العيد فقط من أجل توفير سعر الأضحية، ليس فقط لإدخال البهجة في نفوس الصغار لما لكبش العيد من خاصية عندهم، وإنما لإحياء السنة الإبراهيمية، ولعل هذا هو المغزى من العيد الكبير. لكن قد لا نخطئ إذا قلنا بأن فرحة عيد الأضحى لها خصوصية وميزة، لذلك فإن لحم الأضحية له طعم ونكهة مميزان. تستعيد الأسر بقدوم العيد، الكثير من الطقوس مع إحياء عادات وتقاليد عريقة، ومن أهمها تحضير مختلف الأطباق التقليدية التي تحضر خصيصا بلحم الأضحية. هذا الأخير قد لا نبالغ إذا قلنا بأنه يكتسي خاصية مميزة لأن طعمه مغاير إلى حد ما، فبالنسبة لبعض ربات الأسر ممن تحدثت إليهن «المساء»، فإن لحم كبش العيد ذو نكهة خاصة جدا لأسباب كثيرة، منها ما جاء على لسان امرأة مسنة استوقفتها «المساء» بشارع موريتانيا بالعاصمة، حيث قالت بأن سبب بنته يعود لإحياء سنة النبي إبراهيم عليه السلام، «ولأننا نتصدق بثلث الأضحية ومعرفة أن أناسا محتاجين يشاركوننا نفس اللحم الذي منه نأكل، لذلك نحس بطعمٍ مغاير بالرغم من أننا نأكل اللحم على مدار السنة». وهذا تماما ما ذهبت إليه سيدة أخرى قالت بأنها من ولاية البويرة، مؤكدة أن إحياء السنّة الإبراهيمية هي التي تضفي النكهة المميزة للحم الأضحية، «كون الفرد توصل إلى اقتناء الأضحية، يعني أنه وفي للنبي إبراهيم عليه السلام الذي كاد يضحي بابنه إسماعيل لولا لطف الله به وببني آدم أجمعين، لذلك فإن لحم الأضحية أكيد سيكون مميزا وكل أطباقه تحمل هي الأخرى نكهة رائعة قد لا نجدها في أطباق أخرى محضرة باللحم الغنمي في باقي أيام السنة». كما تقول سيدة أخرى من ولاية المسيلة، بأن لسكان المنطقة طقوس عديدة عند إحياء عيد الأضحى، مؤكدة من جهتها أنه ليس للحم الأحمر أي دخل في موضوع النكهة المميزة عن سائر الأيام، وإنما الفضل في ذلك يعود للمناسبة التي تزيده نكهة، «نحن نشتري اللحم الغنمي طوال السنة ونحضر الكسكسي والمرق الأحمر به كل يوم جمعة، خاصة أن اللحم هو نفسه لا يتغير سواء الخاص بأضحية العيد، أو ذاك الذي اقتنيناه من عند الجزار، لكن الفرق يكمن في أن اللحم الأول يجمع العائلة ويأكل الجميع دون حساب، كما أن الأم لا ترى نفسها مجبرة على تحضير أكلة معينة وتحسب ‘قطع' اللحم حسب عدد أفراد أسرتها، بل تحضر الطبق بعددهم وتزيد عن ذلك وأعتقد أنه كلما كانت الطبخة دسمة تكون أطيب». أطباق تقليدية مختلفة مظاهر عيد الأضحى تمتد إلى حوالي أسبوع من صبيحة النحر، ومن ذلك تسابق النساء في مناطق مختلفة من الوطن إلى إعداد أطباق تقليدية بلحم الأضحية، تختلف باختلاف تلك المناطق ومن ذلك أن تحضر ربة البيت العاصمية في اليوم الموالي من يوم النحر، طبق الكسكسي بمرق أحمر تكثر فيه من قطع اللحم، وهو الطبق الذي تتقاسمه أغلب، وإن لم نقل كل الأسر الجزائرية ولا يكون الاختلاف إلا في طريقة تحضيره، بما في ذلك التوابل التي هي أساس كل طبخة. إحدى ربات البيوت من العاصمة تؤكد لنا أن في ثاني يوم العيد تحضر «الطعام باللحم» وتخصص لحم رقبة الأضحية تحديدا، وتعتبر ذلك تقليدا متوارثا عن الجدات منذ زمن، فيما تشير سيدة من عين وسارة إلى أنه في ثاني يوم العيد تلتم الأسرة حول طبق «المسفوف باللحم» وهو طبق الكسكسى بلحم الأضحية بالمرق الأحمر، مع إضافة قرون من الفلفل الحار. أما سيدة أخرى من المسيلة فتقول بأن الكسكسى باللحم و«الشرمول»، أي الفلفل المرقد، أساسي لثاني عيد، لأن تبادل الزيارات تبدأ في هذا اليوم، وبالتالي فإن الضيف يجد هذا الطبق التقليدي في استقباله. كما تشير المتحدثة إلى وجود طبق تقليدي آخر يحضر خلال أيام العيد المباركة، وهو طبق «المسفوف باللحم المشوي» بالعسل والدهان، وهو طبق يجمع بين المذاقين الحلو والمالح، وهي خاصية للمطبخ المسيلي المتميز أيضا بالتوابل اللاذعة، تضيف السيدة. أما اليوم الأول من عيد الأضحى، فتكاد تكون أطباقه واحدة إلى حد كبير، حيث اتفقت أغلب ربات البيوت المتحدثات إلينا، على أن ‘قائمة' اليوم الأول تجمع «الكبدة المقلية» مع البطاطا المقرمشة والسلطة الخضراء الطازجة، ووجه الاختلاف يكمن في طريقة التحضير وأحيانا في التسمية، فمثلا الأسرة المسيلية تحضر في أول يوم طبقا يسمى «الملفوف» وهو قطع الكبد الملفوفة في شحم الأضحية وتوضع على عيدان الشواء مع الفلفل الأخضر والطماطم، وهو نفس الطبق تقريبا تحضره الأسرة الجلفاوية، حيث يتم تقطيع كبد الأضحية إلى مربعات، وتقلى في بالملح والكمون، ثم تفور في «الكسكاس» التقليدي حتى تجف، وتلف في ‘الرْدا' أي شحم الأضحية، ثم تشوى في أعواد خاصة وتلتف حولها الأسرة في جو مميز لا يتكرر إلا مرة في السنة مع عيد الأضحى. إلى جانب الكبد، تحضر الأسر في أول يوم عيد أضحى طبقيّ ‘البوزلوف' و'الدوارة' أو «الكرشة» وتسمى أيضا «العصبان».. كما أن هناك ميزة أخرى تتقاسمها الأسر الجزائرية خلال أسبوع عيد الأضحى وهو؛ الشواء أو قلي اللحم كل وقت.. إلى أن تنتهي الأضحية في غضون أيام قلائل!