يعد الكاتب مولود بن زادي، المقيم في عاصمة الضباب لندن، أوّل كاتب عربي يصدر معجما للمترادفات والمتجانسات العربية، يقع في أكثر من 600 صفحة، وينافس هذا الإنجاز العلمي الأوّل من نوعه في الجزائر وفي منطقة المغرب العربي، أهم المعاجم في الوطن العربي، كما أنّ مشوار بن زادي لا يتوقّف عند الكتب العلمية، بل اقتحم عالم الرواية وقصص الأطفال.. وعن مشواره وحياته في أرض الغربة وعن أشياء أخرى، أجرت معه ”المساء” هذا الحوار... ^ بداية، من هو مولود بن زادي؟ ^^أنا مترجم وكاتب جزائري مقيم في لندنببريطانيا، وعضو في اتحادي الكتّاب الجزائريين والعرب، تخرجت من معهد الترجمة في الجزائر في جوان 1991، ثمّ هاجرت إلى بريطانيا لأقيم في مدينة لندن، أين نشرت لي أول قصة موجهة للقارئ الصغير بعنوان ”الغزالة المغرورة”، وقد زيّنتها بصور رسمتها بنفسي، ثم جاء المؤلف الثاني ”الأفعال المركبة الإنجليزية” باللغة العربية، وهو عبارة عن قاموس إنجليزي – عربي يختص في هذا النوع من الأفعال التي تخلق مشاكل جمة للطلاب والمتمدرسين. وفي سنة 2011، أصدرت روايتي الأولى كأوّل تجربة لي مع هذا النوع من الكتابة بعنوان ”عَبَرَاتٌ وعِبَرٌ”، وهي رواية اجتماعية درامية مقتبسة من قصّة واقعية تقع في 277 صفحة. وفي شهر أكتوبر 2013، نشر لي ”معجم الزّاد” للمترادفات والمتجانسات العربية، يقع في أكثر من 600 صفحة، وهو الأوّل من نوعه في الجزائر والمغرب العربي. في عام 2014، نشرت لي رواية ”رياحُ القدر” التي شاركت بها في معرض الكتاب ضمن إصدارات ”دار كرم الله للنشر”، وليّ أيضا مقالات نقدية وكتب عن الأمثال والحكم بالعربية والفرنسية والإنجليزية، تداولت بعضها مواقع إنجليزية وأجنبية، وقد أكون بذلك أوّل كاتب جزائري يكتب مقولات باللغة الإنجليزية. ^من الترجمة إلى التأليف الأدبي، كيف جاء هذا التحول؟ ^^ عندما نتحدّث عن الترجمة، فنحن حتما نتحدّث عن اللغة التي تكتب بها، واللغة كما نعلم هي الوسيلة التي يحتاجها الأديب لعرض أفكاره والتعبير عن مشاعره، وعندما نتحدّث عن الترجمة نعني اللغات الأجنبية، فهي نافذة نطلّ من خلالها على الثقافات الأجنبية والحضارات العالمية، لننقل منها ما يخدم الأدب والفكر إلى أوطاننا. ^كيف تقيم تجربتك مع القارئ الصغير؟ ^^الكتابة بالنسبة للأطفال أصعب منها للكبار، إذ لابد أن تكون للكاتب ثقافة معمّقة عن حياة الطفل ونموه ولابد له أيضا أن ينزل إلى مستوى تفكيره، لنعلم أننا لا نخاطب الأطفال مثلما نخاطب الكبار، فلا بد أن يكون الكاتب ملما بالعلوم والمعارف، متأثّرا بالقيم الأخلاقية حتى يفيد الطفل من خلال ما يكتبه، ولابد للكاتب أن يتقن اللغة التي يمارسها في فعل الكتابة حتى ينتقي منها الألفاظ والتعابير التي تناسب الصغار، وتكون الجمل قصيرة والعبارات سهلة يفهمها الطفل، مع توفر عنصر التشويق طبعا. ^وماذا عن تجربتك مع المؤلّفات العلمية؟ ^^بداياتي كانت من الكتاب الأكاديمي والمعجم، فمباشرة بعد الانتهاء من كتابة قصة الأطفال ”الغزالة المغرورة”، شرعت في كتابة قاموس ”الأفعال المركبة الإنجليزية” باللغة العربية، علما أنني شغوف باللغات منذ أن كنت صغيرا وازداد اهتمامي بها بعد التحاقي بمعهد الترجمة للتدريس، حينها كنت أجد مشاكل جمة في فهم الأفعال المركبة الإنجليزية التي يتغيّر معناها بتغير حرف الجر الذي يرافقها، وفي غياب المراجع ارتأيت تصنيف قاموس يشرح هذه الأفعال باللغة العربية ويوضّحها بأمثلة حية من الكتب والمجلات. وفي سنة 2013، صنف ”معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية” الأوّل من نوعه في الجزائر وبلاد المغرب العربي، بالتالي يسعدني ويشرفني أن أهدي بلادي الحبيبة الجزائر هذا المعجم، وهو إنتاج جزائري مائة بالمائة، ويوفّر عليها اقتناء مثل هذا المعجم من المشرق العربي بالعملة الصعبة ويستطيع أن ينافسه، ولو أنني لم ألق ولو كلمة شكر على ما بذلته من جهد خلال سنوات. ^أين تجد نفسك أكثر في كلّ أنواع الكتابة التي تمارسها؟ ^^عندما نتقن اللغة التي نكتب بها يسهل كل شيء وتتحقّق كل الأهداف، لكن بشكل عام، المعجم صعب ويتطلّب وقتا طويلا وجهدا كبيرا، فبصراحة، أرهقني كثيرا معجم المترادفات والمتجانسات حتى أنني في وقت من الأوقات فكّرت في أن أستسلم وأتخلّى عنه، لكن الله كريم، تمكّنت بعونه من تجسيد الحلم وهو معجم من إنتاج جزائري محض. ^ما هي الوجهة المفضّلة لديك لنشر أعمالك؟ — نشرت للأطفال وقاموس ”الأفعال المركبة الإنجليزية” باللغة العربية في إنجلترا، أمّا رواية ”عبرات وعبر” و”معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية” وروايتي الأخيرة ”رِيَاحُ القَدَر” فنشرتها في الجزائر. ^كثيرا ما يشتكي المؤلفون من مشاكل النشر في الجزائر، فهل تشاطرهم هذا الموقف؟ ^^أشاطرهم الرأي مائة في المائة، فحين نتصل بالناشرين لا يردون، وإن ردوا اعتذروا أو وعدوا دون الوفاء، فدور النشر في الجزائر تنقصها الاحترافية واحترام الوقت والالتزام بالمواعيد، دون الحديث عن ارتفاع تكلفة النشر، وأشعر بأنّ الناشر في بلادنا وبعض البلدان العربية لا يبحث إلاّ عن المادة، كما أنه لا ينشر إلا إذا رأى أنّ هناك مصلحة أو يقوم بذلك من باب علاقات ضيقة. دور النشر مثلا تهتم بنشر الكتاب الأكاديمي، مثل القاموس، لأنه مطلوب، لذلك تفضّله على الرواية وهكذا، أذكر أنني حين اتصلت بدار نشر معروفة، أجابني مسؤولها بأنه توقّف عن نشر الروايات منذ فترة لأنها تبقى مكدّسة في المكتبات ويعزف القراء عن اقتنائها، ناهيك عن مشكلة التوزيع، بحيث يصعب إيجاد ناشر موزع وعندما تجده يعدك بتوزيع روايتك في كل الولايات، ثم تتصل بعد أشهر طويلة لمعرفة من نشر العمل، فتكتشف أن الرواية لم توزع على الإطلاق. ^تقيم في لندن وتلتزم بالعربية في كتاباتك، فهل هذا مجرّد اختيار أم أنه موقف منك؟ ^^هناك من يحتقر اللغة العربية وينظر إليها على أنّها لغة تخلّف، وأنّ الأديب لا يستطيع أن يبلغ العالمية بها وإنّما بلغة أجنبية، والواقع أمامنا يثبت عكس ذلك، ثمة كتّاب بلغوا العالمية مع أنهم كتبوا بلغاتهم الأصلية وحصلوا على جوائز عالمية، حتى نجيب محفوظ فاز بجائزة ”نوبل” في الأدب مع أنه كتب باللغة العربية. جميل أن ننجح ونتألّق في كلّ اللغات، لكن الأمر صعب للغاية إن لم يكن مستحيلا، فالمنافسة في اللغات الأجنبية لا يرحم، ويحزنني أن أقول؛ إننا لسنا حاليا في مستوى هذه المنافسة، قلتها وأكرّرها؛ ”لن تبلغ روايتنا المكتوبة باللغة العربية أو الفرنسية العالمية في شكلها الحالي الذي يعتمد على اللف والدوران والإسراف في استعمال الصور البلاغية على حساب الفكرة، فما يبقى بعد ترجمتها إلى اللغات الأجنبية غير هيكل عظمي لا حياة فيه. أستثني مما قلته الأديب الرائع ياسمينة خضرة الذي اهتم بالفكرة، فأوصل الرواية الجزائرية إلى سينما ”هوليود”. ^هل لك أن تصف لنا المشهد الثقافي في عاصمة الضباب؟ ^^المشهد الثقافي في لندن يميّزه الاهتمام الكبير بالكتاب والنشر والقراءة، عكس المواطن العربي الذي لا يقرأ إلا نحو 6 صفحات من كتاب في السنة، تجد الأسر البريطانية تشجع أطفالها على قراءة نحو 50 كتابا في السنة، والمجلس البريطاني، مثلا، ينظم لقاءات بمشاركة أجانب من مختلف بقاع العالم للتعريف بالثقافة البريطانية، وأنا حضرت بعض هذه اللقاءات المفيدة. ^ هل ترى عندنا في الجزائر وعيا كافيا بأهمية النهوض الثقافي؟ ^^الزملاء الكتّاب المحليون في موقع أفضل للرد على هذا السؤال، فأنا أحيا على بعد 1700 كم من الجزائر الحبيبة وأتابع ما يجري في بريطانيا أكثر مما يجري في الجزائر، لكن بشكل عام، أعتقد أن وسائل الإعلام في الجزائر تهتم بالنشاطات الفنية والرياضية أكثر من الأدب والكتاب، فصفحات الجرائد مليئة بأخبار السياسة والممثلين والمطربين وقلما تتحدث عن الأدب والأدباء. ^كيف ترى الرباط الذي لا يزال موثوقا بينك وبين الرواية؟ ^^صرفت وقتا معتبرا في تصنيف المعاجم، وهو عمل صعب ومعقّد ويستغرق وقتا طويلا، إضافة إلى كتابة قصة الأطفال، بالتالي لا يسمح الوقت بالكتابة في كل المجالات التي أكتب فيها، لكن وإلى حد الساعة، لم أخرج عن إطار الرواية الواقعية التي أحبّها وأتطلّع إلى كتابة أصناف أخرى من الرواية في المستقبل، إن شاء الله. ^ما هو تفسيرك لعزوف الجزائريين عن القراءة؟ ^^بعض الكتاب يتحدّثون عن توزيع ملايين الكتب من رواية واحدة، فكلّ التقارير الدولية تؤكّد عزوف المواطن العربي عن القراءة، فالجزائري كما أراه ماهر في الحديث عن الرياضة، ممتاز في تتبع ”الفايسبوك” والدردشة، خبير في شؤون السياسة، لكن لا علاقة له بالكتاب والقراءة، إنّها ثقافة مجتمع برمته، ثقافة يتوارثها الأبناء عن الآباء في مجتمع ما ينشر فيه من الكتب إلا قليل، وما يُخصّص للثقافة والأدب في الصحف والإذاعة والتلفزيون ضئيل، ولا شك في أن ظهور منابر تواصل اجتماعي زادت الطين بلة . ^كيف هي حياتك في الغربة؟ ^^الحياة في ديار الغربة مفيدة بقدر ما هي مؤلمة، أتألم وأتعذّب وأنا أحيا بعيدا عن الأهل والأصدقاء والأحباب والوطن، لكن ثمة منافع في حقل الكتابة، فما أكتبه جزء لا يتجزأ من أدب المهجر بكل ما يحمله من سمات تميزه من أدب الزملاء المحليين، مثل الحنين إلى الوطن والنزعة الإنسانية والتأملية والتحرّر، إضافة إلى الانفراد الذي يفسح المجال للإبداع، فلو قرأتم أعمالي الأدبية ستجدونها مختلفة حتما، لأنها تخضع لتأثيرات البيئة الجديدة، بيئة بلاد المهجر الذي أحيا فيها. ^ما هي مشاريعك المستقبلية؟ ^^ثمة قصة جديدة بدأتها من قبل، ثم توقفت بسبب ظروف، تتناول موضوع الصداقة في هذا العصر وبالخصوص في منابر التواصل الاجتماعي وأستعمل فيها لأول مرّة أسلوبا ساخرا، عنوانها المؤقت؛ ”أمل”، أودّ أيضا الخروج من الرواية الواقعية إلى الرواية الخيالية وليّ ثقة كبيرة من أنني سأنجح فيها، لا سيما أنني من المعجبين بأدب توفيق الحكيم الخيالي، إضافة إلى الرواية الغربية الخيالية. ^ كلمة أخيرة؟ ^^أدعو القراء إلى مطالعة كتبي لأنها تحمل أدبا مختلفا صقلته بيئتان مختلفتان، وأدعوهم إلى متابعتي في موقع التواصل الاجتماعي، كما أشكر صحيفتكم التي فتحت لي المجال واستضافتني في ركن من أركانها، وعلى اهتمامها بالأدباء الجزائريين المقيمين في المهجر.