يستقطب سوق "الرومبلي" بقسنطينة يوميا، مئات المواطنين من الراغبين في التسوق أو بيع منتوج معين، في حركة ذهاب وإياب غير منتهية، حيث يعرض هذا التجمع التجاري الشعبي سلعا لا توجد بمحلات أخرى، فأغلب سلعه قديمة ومستعملة وتلقى رواجا كبيرا من الفئة الضعيفة أو حتى الطبقة المتوسطة. كما يقصد هذا السوق العديد من الشباب البطال الذي يضمن قوت يومه، من خلال التبادلات التجارية التي تتم على مستوى هذه المنطقة التي تقع في قلب مدينة قسنطينة وتعرف ب"سوق تحت القنطرة". يعد سوق "الرومبلي" من أقدم الأسواق الشعبية في ولاية قسنطينة، ويعود تاريخ نشأته إلى الحقبة الاستعمارية، حسب شهادات العديد من مستعمليه الذين أكدوا أنهم يقصدون هذا التجمع التجاري الذي يمتد تاريخه إلى حوالي قرن من الوجود، خاصة كبار السن ممن يقصدون هذا السوق الواقع أسفل جسر سيدي راشد. ولديه مدخل من جهة باب الجابية بحي السويقة القديم، حيث يجد قاصده سلالم حجرية قديمة وضيقة في مدخل الحي على الجهة اليسرى، تقود إلى أسفل الجسر، حيث يتواجد الباعة، وتوجد مجموعة من الدكاكين على ضفة هذه السلام مختصة في بيع الأثاث القديم، الآلات الكهربائية المستعملة ومحلات لبيع البدلات الرياضية الجديدة، كما يوجد مدخل آخر لهذه السوق عبر حي رحماني عاشور (باردو)، حيث يمتد في شكل طريق طولي عبر مسافة حوالي كيلومتر واحد، كما يضم السوق مدخلا ثالثا وهو عبارة عن سلالم حديدية تنزل مباشرة من وسط جسر سيدي راشد، تؤدي إلى زاوية سيدي راشد من جهة، وفي الجهة المعاكسة تؤدي إلى سوق "الرومبلي". يشير الباحثون إلى أن تاريخ هذا السوق يعود إلى الحقبة الاستعمارية، حيث جاء سنوات قليلة بعد تدشين جسر سيدي راشد سنة 1912، وقد استمد هذا التجمع التجاري الشعبي تسميته من الكلمة الفرنسية "رومبليه" التي تعني ركام الأتربة، حيث كانت السلطات الفرنسية في وقت مضى ترمي النفايات الصلبة من أتربة وغيرها، يتم تحويلها من أماكن تشييد المشاريع بوسط المدينة خاصة من حي الكدية، إلى منطقة أسفل جسر سيدي راشد، وقد جعلت السلطات الفرنسية وقتها هذه الردوم من الأتربة في شكل مسالك حتى تكون أكثر تماسكا، ليتم استغلالها من طرف بعض التجار الجزائريين الذين بدأوا وقتها في عرض سلعهم القديمة التي وجدت رواجا كبيرا. سلع مختلفة ونادرة .. وبيع للعصافير يضم سوق "الرومبلي" عددا كبيرا ومتنوعا من السلع القديمة والجديدة، حيث يجتهد التجار في الترويج لسلعهم من ألبسة مستعملة، أواني قديمة، أشرطة نادرة، آلات كهربائية وخردوات، روائح وأكسسوارت للتجميل، إضافة إلى بيع العصافير التي يكثر عليها الطلب، على غرار طائرالحسون (المقنين) الذي تشهد تجارته رواجا كبيرا، ورغم أن المكان تأثر بانتشار النفايات والأوساخ، إلا أن ذلك لم يثن التجار عن استهلاك المأكولات التي تعرض من طرف زملاء لهم، حيث يتم عرض "البيتزا" في طاولات جديدة، كما يعرض الشواء بأثمان جد منافسة وتوجد أكلة مميزة داخل هذه السوق، وهي "سندويش" البيض المسلوق مع زيت الزيتون والتوابل الحارة. كان مقصدا للسياح .. فأصبح محاصرا بالأوساخ.. عرف السوق في سنوات الستينات إلى السبعينات والثمانينات، إقبالا كبيرا من الأجانب والسياح الذين كانوا يقصدونه علهم يحصلون على أوان قديمة أو صور نادرة، وأشرطة وأسطوانات لفنانين بارزين لم تعد موجودة، أو سلع غير متداولة في المحلات التجارية، لكن مع مرور الوقت تحول السوق إلى مكان تحاصره النفايات من كل صوب، وتلوث المياه الناتجة عن تضرر قنوات الصرف التي تصب في قلب السوق، وطالب مستعملو هذا التجمع التجاري السلطات، خاصة البلدية، بالتفاته لحال المكان الذي تسترزق منه عشرات العائلات، وقد علق أحد مستعملي السوق قائلا: "لو اهتمت البلدية بتنظيم المكان وخصصت له جزءا ضئيلا من ميزانية عاصمة الثقافة العربية التي تعد بآلاف الملايين، سيستعيد السوق بريقه وستكون وجها مشرقا لاستقبال ضيوف قسنطينة خلال التظاهرة التي ستنطلق في غضون أسابيع قليلة". الحظيرة الحضرية تهدد السوق أكد والي قسنطينة، السيد حسين واضح، خلال زيارته الأسبوعية التي يقوم بها لمعاينة مشاريع عاصمة الثقافة العربية، أن سوق "الرومبلي" قد يتم إزالته تماما بسبب مشروع الحظيرة الحضرية التي ستمتد من أسفل جسر سيدي راشد إلى ناحية رحماني عاشور، على مساحة 50 هكتارا، وخصص لها مبلغ 50 مليار سنتيم، حيث انطلقت مؤخرا الأشغال بهذه الحظيرة التي ستغير حتما وجه المدينة، وبذلك سيكون سوق "الرومبلي" مهددا بالزوال بعد تواجد دام حوالي قرن من الزمن، رغم مطلب التجار الذين يترددون عليه بتهيئته وتركه كمعلم من معالم قسنطينة.