مكة عروس المدائن، قبلة كل المسلمين الذين يحجون إليها سنويا، هي ملجأ نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل، هي البلد الآمن، قال عنها نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم لما خرج منها مكرها: "أمَا والله لأخرج منك، وأني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلىَّ، وأكرمه على الله، ولولا أن أهلك أخرجونى منكِ مَا خرجت"، هي الحجاز والطائف، هي المدينة والرياض، هي المملكة العربية السعودية التي حطت بإرثها الثقافي والحضاري ومدت جسورها الفنية إلى قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، لتحمل معها العادات والتقاليد، الفن الأصيل والكلمة الطيبة، الخط الجميل والحرف العربي، اللباس العربي للأجداد والأسلاف، في إطار الأسبوع الثقافي الرابع الذي حط رحاله بعاصمة الشرق الجزائري في إطار فعالية عاصمة الثقافة العربية بعد أسابيع كل من فلسطين، مصر والعراق. وقد افتتح رئيس ديوان وزارة الثقافة، السيد نور الدين عثماني، سهرة أول أمس، بالقاعة الصغرى لقاعة الحفلات أحمد باي، فعاليات الأسبوع الثقافي السعودي بقسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015، مثنيا على موقف أرض الكعبة، من الثورة التحريرية المظفرة وموقف الطبقة المثقفة والمبدعة السعودية من ثورة الفاتح نوفمبر. وقال ممثل وزير الثقافة، إن التحديات الخطيرة التي تواجه العالم العربي اليوم، تجعل من العمل الثقافي كفيلا بترميم الصدع الذي يهز هذه البلدان، معرجا في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها، على كلمة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، في افتتاح تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية والتي جاء فيها أن الجزائر تتقاسم اليوم محنة الحاضر المؤلم في فلسطين الصامدة ومحنة ما تمر به بلدان عربية امتحنت في أمنها واستقرارها ووحدته في فترة تاريخية قاسية، تتطلب مزيدا من اللحمة والتضامن لمنع النزيف المتواصل في جسم هذه الأمة المرهقة. واعتبر السيد نور الدين عثماني، أن مثل هذه المناسبات واللقاءات والتبادلات الثقافية والفكرية، تساهم في ترميم الصدع العربي وإزالة الأوجاع وتحصين مناعة الشعوب العربية من الدسائس والمكائد، خاصة في ظل هذه الظروف والتي يبرز من خلالها جليا دور الثقافة في محاربة ومواجهة الأفكار الدخيلة والايديولوجيات المتطرفة، مضيفا أن تزامن الأسبوع الثقافي السعودي مع اقتراب حلول شهر رمضان الفضيل، يحمل رمزية كبيرة خاصة في ظل ما تدعوا إليه المقومات الدينية والثقافية الإسلامية من قيم إنسانية سامية ترتكز على التعايش والتسامح والمصالحة مع نبذ العنف والتطرف والغلو. رقصات متميزة نقلت الجمهور القسنطيني إلى عمق الحجاز قدم السعوديون عرضا مميزا جسدته فرقة الجوهرة، يعكس مدى تمسكهم بالموروث الثقافي الفني الأصيل، حيث استهلوا السهرة الفنية، برقصة الخطوة، وهي رقصة تشتهر بها منطقة العسير جنوب المملكة، ويصطف الراقصون في صفين، حيث يرفع الصف الأول الصوت من اللحن الطويل، ثم يتلوه الأخر، وفيها يتقدمون خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الوراء وفي وسط اللحن، تنثني الركبة اليسرى بشكل مفاجئ، تتلوها اليمنى ثم ترفع إلى الوسط لتعود ثانية، ليكون العرض الثاني، عبارة عن رقصة الخبيتي المأخوذ اسمها من الخبت أوالخلاء والبر أوالصحراء، وهذا الفن أجمل الفنون الشعبية في المنطقة الغربية للمملكة العربية السعودية ويشتهر في رابغ ومكةوالطائف وبدر، وينبع البحر ويتميز بإيقاعاته المختلفة ويصحبه غناء جميل وله عدة ألحان مختلفة، كما يقدم عن طريق العزف على آلتين هما البوص والسمسمية التي تعتبر آلة وترية شعبية، ويؤدى في الأعياد والأفراح. أما العرض الرابع فكان عبارة عن رقصة السيف والعزاوي، هذا الفن الأصيل المتوارث عن الأجداد والذي يشتهر بمحافظة جازان جنوب المملكة العربية السعودية وله ارتباطات بعادات وتقاليد المجتمع خلال حفلات الختان وأفراح الأعياد، وتتميز الرقصة بإيقاعاتها على آلة الزلفة وهي دف دائري كبير يصل قطره إلى حوالي المتر. تلتها رقصة المجس والمزمار في العرض الرابع، وتعد هذه الرقصة من الفنون العريقة بمنطقة مكة والتي حافظ عليها الكثير من سكان المنطقة مند حوالي 400 سنة وحرصوا على تعليمها أبنائهم، وتقدم هذه الرقصة التي تعتمد على الإنشاد التقليدي، في المناسبات الرسمية والأهلية وكذا في عقود القران. وتمثل العرض الأخير في رقصة العرضة السعودية أوالعرضة النجدية، وهو فن يصنف ضمن الفنون الحربية التي يؤديها أهل النجد في المنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية بعد الانتصار في المعارك عندما كانت الحروب سائدة في الجزيرة العربية، وتتطلب الرقصة الراية والسيوف وكذا البنادق ومنشدي قصائد حرب، يرافقهم مجموعة من حملة طبول التخمير وطبول التثليث الذين يصنعون إيقاعا حماسيا، أما الذين يحلون الطبول في الوسط فيطلق عليهم طبول الإركاب، وهو المكان المفضل لحامل العلم أو البيرق الذي يؤدي مع المجموعة، رقصات وفق كورال معين مع تكرار أبيات معينة، وتعتمد الرقصة على رفع السيوف من طرف الراقصين المصطفين في صف واحد مقابل الجمهور مع التمايل جهة اليمن وجهة اليسار، وشارك في هذه الرقصة كل من سفير السعودية بالجزائر ووالي قسنطينة. وتفاعل الجمهور القسنطيني كثيرا مع هذا الحفل الذي سهر على تنظيمه الديوان الوطني للثقافة والإعلام، والذي سلط الضوء على الطبوع الفنية التقليدية التي عرضت لوحة مختلفة الألوان للموروث الفني السعودي المحافظ عليه من طرف جيل اليوم والمتوارث من الأجداد إلى الأبناء. سفير السعودية بالجزائر، الأستاذ محمود بن حسين القطان: علاقتنا مع الجزائر في أحسن الأحوال ودور الثقافة مهم في لم شمل الأمة اعتبر سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الجزائر، الأستاذ محمود بن حسين القطان، لدى نزوله ضيفا على قسنطينة عاصمة الثقافة العربية في إطار افتتاح الأسبوع السعودي بالتظاهرة، أن دور الثقافة مهم ومن أهم الدوافع التي تساهم في تقرير مصير الشعوب العربية، هذه الشعوب التي قال عنها أنها تجمعها أشياء كثيرة والثقافة جزء من هذا العامل المشترك، مضيفا أن مثل هذه المهرجانات تسمح باكتشاف القواسم المشتركة وتوضح الصورة بين البلدان العربية المختلفة، وقال أن هذا اللقاء يعكس عمق العلاقات الثقافية والاجتماعية التي تربط بين الملكة العربية السعودية وشقيقتها الجزائر، فالدولتان حسب قوله، تربطهما عدة روابط زيادة على الدين واللغة، فيربطهما التاريخ المشترك، وقال إن السعودية مثل الجزائر دولة كبيرة وتتنوع فيها الثقافات والفنون ومثل هذه المهرجانات تكون مناسبة لكي تصل السعودية إلى أشقائنا من الشعب الجزائري وتعرض ما تتمتع به من ثقافة وفنون متنوعة لمختلف المناطق. ووصف سفير السعودية بالجزائر، الحالة الصحية بين الجزائر وبلده، بأنها على أحسن الأحوال ولا يوجد ما يعكر هذه العلاقة الطيبة بين البلدين، مضيفا أنه من غير المستبعد إقامة توأمة ثقافية بين السعودية والجزائر في المستقبل، معتبرا أن قنوات التبادل الثقافي مفتوحة وأن بلده تدعم مثل هذه المشاريع. قدم الأستاذ محمود بن حسين القطان، شكره للرئيس بوتفليقة، وأثنى على قرار اختيار قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، وعن سعادة المملكة العربية السعودية بهذا الاختيار لعاصمة الشرق الجزائري التي وصفها بالمدينة العريقة التي تضرب في جذور التاريخ ولها مكانة كبيرة في التاريخ العربي والإسلامي، معتبرا أن المملكة العربية السعودية دولة كبيرة تتمتع بالتنوع الثقافي، وسيحاول الوفد المشارك في هذه التظاهرة، إبراز هذا الإرث الثقافي والفني. مضيفا أن هذه الفرصة مواتية للتقدم بالشكر الجزيل إلى مواطني قسنطينة على حسن وحفاوة الاستقبال والتجاوب الكبير مع افتتاح الأسبوع الثقافي السعودي، كما قدم شكره إلى القائمين على شؤون هذه الفعاليات من السلطات العليا وكل المسؤولين الذين بادروا بتقديم كافة التسهيلات إلى المشاركة السعودية لكي تكون مشاركة متميزة وتقدم بعض المعلومات عن الثقافة والفنون في المملكة. وبخصوص ما يروج حول تقليص عدد المعتمرين خلال شهر رمضان المقبل، رد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الجزائر، الأستاذ محمود بن حسين القطان، عن سؤال ل«المساء"، نافيا أن يكون أي تخفيض في استقبال المعتمرين، مؤكدا أن المملكة لديها طريقة عمل خلال شهر رمضان الفضيل من خلال إقرار نظام يقضي بأن، تكون مدة أقامة المعتمر 15 يوما لإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المعتمرين من كل دول العالم بزيارة بيت الله الحرام. وطاف سفير المملكة العربية السعودية الذي كان مرفوقا بسفير دولة الكويت، بمختلف أجنحة قاعة أحمد باي، من قاعة العرض إلى الكواليس وغرف الراحة، المطعم والنادي وغرف الفنانين، حيث أثنى على النوعية الجيدة لبناء هذا الصرح الثقافي، وأسر سفير السعودية للمدير العام للديوان الوطني للثقافة والإعلام السيد لخضر بن تركي، بضرورة تنظيم جولة سياحية للسفراء المعتمدين بالجزائر، إلى قسنطينة عاصمة الثقافة العربية. ودشن سعادة السفير، معرض المملكة العربية السعودية الذي يضم معرضا للفنون التشكيلية التي تعكس تقاليد وعادت المجتمع السعودي وكذا تثمين تربية الحيوانات وعلى رأسها الخيول والتمسك بها، معرضا للخط العربي والتصوير الرقمي الذي حمل العديد من الصور لمدن السعودية وعلى رأسها مدينة مكة وحرمها، كما تم عرض مجموعة من الصور التي تفقدها السفير والوفد المرافق له والسلطات المدنية والعسكرية بولاية قسنطينة، تعكس البلد السياحي للمملكة، كما تفقد سعادة السفير معرض للأزياء التقليدية للفنانة فوزية الخميس. الفنانة فوزية الخميس، مسؤولة عن الأزياء التراثية السعودية: حملنا موروثا محترما وصورة لمختلف أنحاء السعودية أكدت الفنانة فوزية الخميس التي تزور الجزائر لأول مرة، وهي مسؤولة الأزياء التراثية التقليدية السعودية المشاركة في التظاهرة، أن بلدها يشجع الاهتمام بالحفاظ على التراث والأصالة في الألبسة، وأن هناك تشجيع من السلطات في المملكة من خلال العديد من المهرجانات المحلية على غرار مهرجان الجنادرية للتراث والفنون والذي يحضره فنانون من كل مناطق المملكة وتعرض فيه ألبسة تقليدية لمدة أسبوعين، وقالت ل«المساء": "شاركنا بألبسة تقليدية من مختلف المناطق بالسعودية، هي ألبسة رجالية من ثوب العقال، الطاقية، المشلح والبشت والتي تلبس في المناسبات المختلفة، كما أعرض ألبسة نسائية تتسم بالاحتشام وتحافظ على التقاليد العربية والإسلامية مند 80 سنة وعلى رأسها العباية، قدمت ألبسة من مناطق مختلفة على غرار نجرانبجنوب المملكة، المدينةالمنورة وثوب الخرجات والزيارت العادية البسيطة، منطقة عسير الجبلية وثوب العسير المشهور، ثوب العروس ويسمى المكلف لأنه يكلف العريس الكثير من المال، منطقة حايل القريبة من الحدود الأردنية، ثوب العرضة المهدية والأكمام الطويلة للرجل للمناسبات والفلكلور والتي لا تخلوا من السيف والفرد وهو سلاح ناري صغير، كما قدمت تطريز البيشي الذي نحافظ عليه مند 50 سنة والتي حاكها شيخ في ال80 سنة من العمر، وكذا ثوب من قبلية بني مالك في الطائف قريب من مكة، وتوب وبرقع من خرز الفضة، قبيلة المروحي من الطائف ولباس السفياني وكذا لباس الدمام من الساحل الشرقي للكويت والإمارات وهوثوب العروسة، وعرضت أيضا ثوب منزلي وثوب الصيد للرجل البسيط السعودي". الفنان علي سعد الله: قدمنا عروضا فنية تقليدية ونتمنى النجاح للتظاهرة عبر الفنان علي السعد الله، عضو فرقة الجوهرة التي قدمت حفل افتتاح الأسبوع الثقافي السعودي، عن فرحته للمشاركة في هذه الفعاليات الثقافية مع الجزائريين، وقال إن فرقته قدمت فنا راقيا وذا قيمة يعكس الثراء الفني والثقافي بالمملكة، مضيفا أنهم قدموا أشهر الرقصات التقليدية التي يحتفظ بها المجتمع السعودي ويفخر بها إلى حد الآن، وأعرب ضيف الجزائر عن تمنياته بنجاح هذه التظاهرة وأعجب بتجاوب الجمهور الجزائري مع الفن التقليدي السعودي. الخطاط عادل معلى العوفي: نتمنى أن تلقى مشاركتنا استحسان الجمهور الجزائري قال الخطاط السعودي عادل معلي العوفي الذي قدم العديد من البرامج والتظاهرات والمحاضرات في فن الخط العربي في العديد من دول العالم وشارك في العديد من المهرجانات خارج المملكة العربية السعودية، إنه سعيد بتواجده لأول مرة بالجزائر ليشارك في فعاليات الأسبوع الثقافي السعودي بقسنطينة عاصمة الثقافة العربية، مضيفا ل«المساء: "نتمنى أن تكون مشاركتنا قد نالت إعجاب الجمهور ونتمنى التوفيق في إظهار الصورة الجميلة لبلدنا، ونشكر وزارة الثقافة الجزائرية والمسؤولين عن ديوان الثقافة والإعلام على المجهودات الكبيرة التي يبذلونها لإنجاح التظاهرة، كما أعرب عن سعاتي بسبب تجاوب الجمهور واهتمامهم بمعروضات السعودية، فهوجمهور متذوق وفني مثقف وواعي يهتم بالفن الأصيل قد تفاعل كثيرا مع حفل الافتتاح". رئيس الوفد السعودي أبو موصلي: نبارك للجزائر هذا الحدث ومشاركتنا واجب عبر رئيس الوفد السعودي، عن سعادته الكبيرة للمشاركة في هذه الفعاليات، معتبرا أنه من الواجب مشاركة الجزائر في هذه التظاهرة نظرا للعلاقة المتميز بين البلدين وقال في تصريح لجريدة "المساء" على هامش افتتاح الفعاليات الثقافية السعودية: «نبارك للجزائر احتضانها هذه التظاهرة الكبرى ولقد جئنا بوفد يضم 36 عضوا من فنانين من مختلف التخصصات والطبوع على غرار التصوير الرقمي،الفن التشكيلي، فن الخط العربي، اللباس التقليدي التراثي، ورافقتنا فرقة الجوهرة للتراث والفلكلور السعودي التي قدمت عرضا لاق تجاوبا واستحسان كبير من طرف الجمهور، أظن أن الجزائر تمثل لنا بلد شقيق تربطها علاقة قوية ومتينة ببلدنا وعليه كان لابد علينا أن تمثيلا ومشاركتنا بما يليق بهذه الدولة العظيمة والشقية والصديقة التي نكن لها الاحترام الكبير".