ركز عدد من ممثلي هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية الخليفة بعد النقض، مرافعاتهم في حق موكليهم المتابعين بجناية تشكيل جمعية أشرار، السرقة المقترنة بالتعدد، خيانة الأمانة، النصب والاحتيال والتزوير في محررات مصرفية، على الإجراءت القانونية التي اتخذتها النيابة العامة أمام المحكمة العليا، عقب صدور الحكم الأول في 2007، والتي اعتبروها "غير مؤسسة"، ملتمسين من هيئة محكمة الجنايات للبليدة، أخذ ذلك بعين الاعتبار أثناء المشورة حول الأحكام، فيما عرفت جلسة أول أمس التي صادفت اليوم ال33 من المحاكمة، اعتراض القاضي منور عنتر على أحد أطراف الدفاع "لمحاولته تسييس المحاكمة". وبدأ الأستاذ آيت بوجمعة عبد النور الذي دافع عن المتهم دلال وهاب، مرافعته بالإشارة إلى أن موكله كان قد استفاد من انتفاء وجه الدعوى، وأن النيابة العامة طعنت في الحكم من أجل مسائل قانونية وليس من أجل الوقائع المرتبطة بالمتهم، مذكرا بأن المتهم دلال وهاب المتابع بتهمة تكوين جمعية أشرار، السرقة المقترنة بالتعدد، النصب والاحتيال وخيانة الأمانة، اشتغل كشرطي في بداية التسعينيات ثم غادر أرض الوطن خوفا على نفسه من الإرهاب، حيث عمل بفرنسا في وظيفة الحراسة على الأموال قبل أن يقرر العودة إلى أرض الوطن، حيث بحث عن وظيفة، وسمع ببنك الخليفة الذي التحق به في سنة 2001، قبل أن يضيف بأن المتهم تم توظيفه ببنك الخليفة على أساس الخبرة والتجربة التي يمتلكها وبدون وساطة؛ إذ تم تكليفه بمهام نقل الأموال من الصندوق الرئيس إلى المديرية العامة التي يعمل بها، وكانت تنقلاته تتم بأمر من مسؤوليه المباشرين..". وأوضح المحامي أن المتهم كان يقوم بعمليات نقل الأموال مرتين في اليوم، وكان خلالها ينقل تلك الأموال في أكياس مغلقة، متسائلا عن مظاهر السرقة المتابَع بها موكله في هذه الوقائع التي سردها. كما نفى الأستاذ آيت بوجمعة تهمة تشكيل جمعية أشرار والنصب والاحتيال عن موكله، قائلا إن هذا الأخير الذي كان يؤدي مهام مكلف بها فرديا وليس في إطار أية جمعية، "لا توجد أي معطيات تثبت قيامه بعمليات نصب أو احتيال في عمله، باعتبار أنه لم يستعمل أي أساليب كاذبة في تأدية مهامه". ونفى المحامي أيضا تهمة خيانة الأمانة عن موكله، مستندا إلى المفهوم القانوني لهذه التهمة، والذي يرتبط، حسبه، بفعل التبديد، "وهو غير موجود في حالة موكلي"، مضيفا أن المتهم لا ينطبق عليه التشديد في العقوبة المنصوص عليه في المادة 382 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية؛ "لأنه لم يتصرف أيضا في أموال الدولة..". ودفاعا عن نفس المتهم، أشار الأستاذ العلمي بن خالد، إلى أن أكياس الأموال التي كان ينقلها المتهم كانت مغلقة وليس بإمكان المتهم أن يطلع عليها"، موضحا أن موكله أخذ قرضا من بنك الخليفة لشراء شقة، "ولكنه إلى حد اليوم لا يملك أي شيء، وحسابه في البنك فارغ"، قبل أن يضيف: "لقد قام دلال وهاب بطلب قرض من شركة "أوريدو" التي يعمل بها حاليا في نفس الوظيفة، من أجل تسديد قرض بنك الخليفة". وخلص في هذا الخصوص: "لولا اقتناع مسؤولي "أوريدو" ببراءة موكلي لما كلفوني بالدفاع عنه". القاضي عنتر منور يمنع محاولات تسييس المحاكمة من جهته، استهل الأستاذ توفيق بلعلى المدافع عن المتهم مزيان إيغيل علي، مرافعته بوصف عبد المومن خليفة المتهم الرئيس في القضية، ب "العلبة السوداء التي لم يتم اكتشاف أي شيء منها"، معتبرا أن "عبد المومن خليفة لم يكن صاحب فكرة إنشاء بنك الخليفة، وإنما أشخاص آخرون دفعوه إلى ذلك بغرض الاستيلاء على أموال المؤسسات العمومية"، مقدرا بأن "هناك العديد من الأمور الغامضة في القضية". ثم راح المحامي يسترسل في التعبير عن رأيه الذي حمل أحكاما سياسية حول القضية، دفعت القاضي منور عنتر إلى التدخل من أجل مطالبته بالعودة إلى الوقائع المتابَع حولها موكله. غير أن الأستاذ بلعلى تمادى في الإدلاء بمواقفه الشخصية من القضية، مرتكزا على مقاطع من كتاب "إمبراطورية السراب"، التي تشير إلى تمويل عبد المومن خليفة لعقد مبرم مع وكالة أمريكية من أجل تحسين صورة الجزائر في الولاياتالمتحدة الأمريكة، قبل أن يتساءل عن عدم إحضار لخضر بلومي إلى المحاكمة "بالرغم من أنه كان يشارك المتهم مزيان إيغيل في نفس المهمة المتعلقة باستقطاب ودائع الهيئات والمؤسسات العمومية لفائدة بنك الخليفة، كما استفاد من قرض ب50 مليون دينار"، قبل أن يجيب على نفسه بالقول: "لأن بلومي من غرب البلاد.."، وهي الإجابة التي أغضبت رئيس المحكمة القاضي منور عنتر، الذي تدخّل للمرة الثانية، ليوقف المحامي ويصف ما أقبل عليه من أقوال ب "الجنون"، مهددا إياه بتوقيفه عن المرافعة نهائيا في حال تمادى في إثارة "متاهات ونزعات جهوية". وبعودته إلى التهم التي يتابَع بخصوصها موكله، ذكر المحامي بلعلى بأن الذنب الوحيد الذي اقترفه المتهم إيغيل هو أنه "تلقّى قرضا من بنك الخليفة بقيمة 1 مليار سنتيم"، مذكرا بأن هذا القرض قام موكله بتسديده بالكامل". وأضاف أن حصول المتهم على هذا القرض من وكالة البليدة تم بشكل قانوني، باعتبار أنه كان يملك محلا تجاريا بالبليدة"، فيما استغرب متابعة المتهم "بحجة أنه قام بالتشهير ببنك الخليفة في أوساط المؤسسات العمومية، "في حين أن مسؤولين سامين في الدولة كانوا قد شهّروا بعبد المومن خليفة وأشادوا بدوره في ترقية الاقتصاد الوطني". كما استغرب المحامي متابعة موكله بتهمة تشكيل جمعية أشرار، "في حين أنه لا يعرف أي واحد من المتهمين المتابعين معه في القضية"، مشيرا إلى أن النائب العام كان قد خلص في مرافعته، إلى أن إيغيل تم التلاعب به من قبل مسؤولي بنك الخليفة"، في حين تساءل عن "مغزى التماس النيابة العامة مصادرة أملاك المتهم إيغيل مزيان، مع أن هذه الأملاك المتمثلة في فيلا بالشراقة وقطعة أرض بحسين داي، هي من ممتلكاته الخاصة ولا علاقة لها بالقضية". بدوره، نفى الأستاذ بلخيضر المحامي الثاني للمتهم مزيان إيغيل، كافة التهم المنسوبة إلى هذا الأخير، مشيرا إلى أن إيغيل مزيان الذي نشأ وترعرع في حسين داي وتخصص في الرياضة حتى أصبح مدربا ومؤطرا رياضيا ذا سمعة عالية في داخل الوطن وخارجه، استحق كل الأموال التي تحصّل عليها في مسار حياته؛ على اعتبار أنه كان متفوقا في الرياضة، ومتخصصا في التجارة التي درسها وامتهنها. وذكر المحامي أن موكله وجد ضالته مع عبد المومن خليفة؛ لأن عبد المومن خليفة كان من أشد المحبين لفريق نصر حسين داي، ووافق على تمويل هذا الفريق، مضيفا أن العلاقة تطورت فيما بينهما فيما بعد أن طلب عبد المومن من إيغيل أن يكون مستشاره الرياضي. واستند المحامي على المادة 8 من قانون العمل، ليثبت أن عمل موكله لدى الخليفة بدون عقد، لا يُعتبر جرما؛ باعتبار أنها تشير إلى إمكانية أن تقوم علاقة العمل بعقد شفهي. أما بالنسبة للحالة المقصودة بالمتابعة، فالمتهم، حسب دفاعه، "ينبغي أن يكون هو الضحية؛ لأن البنك أخل بحقوقه، ومنها الحق في التأمين". وذكر الأستاذ بلخيضر عبد الحفيظ أن موكله أعطى موافقته على العمل مع عبد المومن خليفة مقابل أجرة شهرية مقدرة ب100 ألف دينار؛ لأنه في ذلك الوقت لم يكن يتقاضي أي أجر، واستند إلى شهادات المتهمين وبعض الشهود لتأكيد أن موكله كان يذهب مع بعض مسؤولي الخليفة إلى دواوين الترقية والتسيير العقاري عبر الوطن، "ولكنه كان يرافقهم فقط بدون التدخل في عمليات التفاوض"، ليخلص في هذا الصدد إلى أن المتهم إيغيل كان يستعان به "كوسيلة إشهار"، غير أن الدافع في إيداع أموال الهيئات العمومية ببنك الخليفة، لم يكن أبدا إيغيل مزيان وإنما نسب الفوائد المغرية. من جانبها، اعتبرت الأستاذة دريدي وسيلة التي رافعت في حق شعشوع بدر الدين، الذي استغل كمسؤول للتجهيز في بنك الخليفة، أن "النيابة العامة لا يمكنها المطالبة بتشديد العقوبة على هذا المتهم، على اعتبار أنه لم يطعن في الحكم الصادر في حقه في المحاكمة الأولى التي اشتراها المتهم والتي تمت في 2007"، منتقدة في الوقت نفسه، التماس ممثل الحق العام مصادرة الشقة التي اشتراها موكلها خلال الفترة المرتبطة بوقائع القضية، حيث ذكرت أن المتهم كان يملك مكتب دراسات، "وكان قد اشترى الشقة في سعيد حمدين بأمواله الخاصة المقدّرة ب450 مليون سنتيم، دفعها على دفعتين". كما أشارت المحامية إلى أن النيابة لم تقدم الدليل الذي يدين موكلها بخصوص فواتير الإقامة في فندق "هيلتون"، والتي بلغت في مجملها 45 مليون دينار، موضحة: "من غير المعقول أن تعتبر النيابة العامة أن هذا المبلغ صرفه موكلي على نفسه ولوحده! بينما الحقيقة أن المبلغ يمثل تكاليف إقامة كل طاقم "الخليفة إيروايز"، الذي كان يحوز على حجز ل100 غرفة في الفندق المذكور". أما فيما يخص التهمة المرتبطة باختلاس بدر الدين شعشوع أموال قفة رمضان، فذكرت المحامية أن موكلها كان مكلفا بتوزيع هذه القفة وليس باقتناء لوازمها. ودافع الأستاذ دغنوش عاطف بدوره، عن المتهم شعشوع بدر الدين، مستهلا مرافعته بسؤال حول "أسباب متابعة هذا المتهم بنفس التهم التي يتابَع بها إطارات بنك الخليفة، بالرغم من أنه ليس له أية علاقة بالعمل المصرفي"، معتبرا أن ذنب موكله هو أنه "ينتمي لعائلة شعشوع التي يتابَع فردان آخران منها في القضية بالجنايات المذكورة". وإذ أيّد كافة التبريرات التي قدمتها زميلته في الدفاع عن نفس المتهم والتماس البراءة في حقه، عاد الأستاذ دغنوش لينتقد الإجراءات التي اتبعتها النيابة العامة في تعاملها مع القضية، وذلك في تمهيده للمرافعة التي قدمها في حق المتهم كشاد بلعيد، الذي اشتغل كمدير لوكالة بنك الخليفة للبليدة. وفي هذا السياق، أشار ممثل الدفاع إلى أنه "بالعودة إلى الاجتهاد في النصوص القانونية، فإن رئيس المحكمة هو الوحيد المخوَّل له طرح الأسئلة الاحتياطية"، في إشارة إلى مطالبة النائب العام بتشديد العقوبة على أربعة متهمين، ومنهم كشاد بلعيد وميرا عمر؛ باعتبارهم يحملون صفة "المصرفي"، قبل أن يضيف: "لو استندنا إلى القانون الفرنسي فإن صفة المصرفي لا يحوزها سوى المدير العام للبنك ومديري مجالس الإدارة فقط". وقدّم المحامي أمام هيئة المحكمة وثائق، بيّن فيها أن موكله المتابع في قضية تزوير محررات مصرفية بتاريخ 19 أوت 2003، تم عزله من منصبه كمدير لوكالة البليدة في 1 جويلية 2003 من قبل مصفي بنك الخليفة، قبل أن يتم إعادة تنصيبه مسؤولا عن العمليات المحاسباتية من قبل نفس المصفي في 2 سبتمبر 2003، مقدرا بذلك أن "ما ارتكز عليه النائب العام لا أساس له من الصحة؛ باعتبار أنه لا وجود لأي دليل على أن كشاد استعمل الرمز السري لزروقي فيصل الذي اشتغل بدوره كمدير لنفس الوكالة". وسعى المحامي لتبرئة موكله من التهم الأخرى المتابع بها في القضية، والتي ارتبطت بالدور الذي لعبه في استدراج مسؤولي المؤسسات العمومية لإيداع الأموال في بنك الخليفة، حيث أشار في هذا الشأن إلى أن أموال تلك المؤسسات تم إيداعها في البنك وفق إجراءات قانونية مؤطرة باتفاقيات لا يشوبها أي لبس، وهو ما يؤكد، حسبه، أن المتهم "لم تكن له أية نية لسرقة تلك الأموال"، قبل أن يضيف أن "المنظومة المصرفية الجزائرية كانت غير مؤهلة في ذلك الوقت، ولذلك فشلت كافة البنوك والمؤسسات المصرفية التي أنشئت في تلك الفترة والتي فاق عددها 11 بنكا خاصا، تعرضت كلها للإفلاس". كما رافع نفس المحامي في حق المتهم مير أعمر، الذي اعتبر قضيته "غريبة جدا"، وذلك بالنظر إلى كون هذا المتهم "هو الوحيد الذي تم الزج به في السجن في ثلاثة قضايا متتابعة، وقضى أزيد من 11 سنة موقوفا وراء القضبان". وفي رأي الأستاذ دغنوش، فإن الذنب الوحيد الذي اقترفه المتهم مير أعمر "هو أنه كان مسؤولا عن وكالة بنك الخليفة للشراقة، والذي يتم خلطه مع المديرية العامة للبنك، الموجودة هي الأخرى بالشراقة". وفي حين ذكر المحامي أن وكالة الشراقة لبنك الخليفة لم يتم فيها تسجيل ثغرة مالية سوى مبلغ قدره 10 آلاف دينار، إلا أنه بالرغم من ذلك فإن مديرها دفع الثمن غاليا في قضية الخليفة، حيث تم إيداعه الحبس الاحتياطي لمدة 24 شهرا بدون محاكمة في قضية محطات تحلية مياه البحر، وتم الإبقاء عليه في السجن 24 شهرا أخرى بسبب قضية "الخليفة إيروايز"، ليستمر سجنه فيما بعد تنفيذا للحكم الصادر ضده في المحاكمة الخاصة ببنك الخليفة التي جرت أطوارها في 2007. وتتواصل مرافعات هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية بنك الخليفة بمحكمة الجنايات بالبليدة؛ حيث يُرتقب أن يشرع اليوم محاميا المتهم الرئيس عبد المومن خليفة في المرافعة لصالح هذا الأخير، في ظل اقتراب موعد الفصل الذي قد يكون خلال الأيام القليلة المقبلة.