ينتظر أن تعرض الجزائر خلال الندوة الوزارية حول مراجعة سياسة الجوار الأوروبية، التي تجمع الدول العربية في الضفّة الجنوبية من المتوسط بمسؤولين سامين في الاتحاد الأوروبي، مقاربتها بخصوص إرساء شراكة متكافئة بين الجانبين، إلى جانب عرض موقف مشترك يعكس تطلعات الدول العربية وأولوياتها إزاء هذه السياسة المستقبلية المنتظر وضعها خلال فصل الخريف المقبل. ويمثل الجزائر في هذه الندوة التي انطلقت مساء أمس، ببيروت، وتدوم يومين وزير الدولة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، السيد رمطان لعمامرة، إلى جانب ممثلي لبنان، فلسطين، المغرب، الأردن، تونس ومصر، بينما يمثل الطرف الأوروبي كل من المفوض الأوروبي المكلّف بسياسة الجوار الأوروبية جوهانس هان، ومسؤولين سامين آخرين للاتحاد الأوروبي. وكانت الجزائر قد شاركت شهر أفريل الماضي، في الندوة الوزارية الرسمية حول سياسة الجوار الأوروبية التي انعقدت ببرشلونة، حيث كانت المناسبة لعرض مؤهلاتها التي يتعين على أوروبا أخذها بعين الاعتبار في تقييم علاقاتها مع مختلف الشركاء المتوسطيين، كون الأمر يتعلق خاصة بعامل الأمن الإقليمي الذي تضمنه الجزائر في مكافحتها للإرهاب والجريمة المنظمة، واستتباب السلم في منطقة الساحل الصحراوي، في حين تتمثل المؤهلات الاقتصادية في تزويد أوروبا بالغاز منذ عقود بنجاعة تامة وعلى أساس تجاري محض. وقد قررت الجزائر المشاركة في ندوة الجوار الأوروبي الذي أطلق سنة 2004، بعد مشاركتها في عملية مراجعته سنة 2009، حيث قدمت خلالها اقتراحات سجلت في ”الكتاب الأخضر” للمفوضية الأوروبية بتاريخ 4 مارس 2015، مثل مبادئ المرونة كأساس لسياسة الجوار الأوروبية الجديدة. وتحرص الجزائر على التأكيد على قدراتها وإرادتها في استغلالها لصالح بناء جوار للسلم والرقي المتقاسم، بناء على مبدأ المفاضلة الذي يجب أن يقاس على طموح الشركاء، متمسكة في هذا الإطار بضرورة تعزيز الحوار بشكل أعمق، بحيث لا تكون سياسة الجوار الأوروبية غاية في حد ذاتها وإنما أداة تعطي قيمة مضافة لاتفاق الشراكة من أجل رفع التحديات المشتركة للأمن والتنمية في المنطقة. وهنا يبرز الإسهام في تحقيق الأولويات الوطنية المتعلقة بتنويع الاقتصاد المرادف لترقية الصادرات خارج المحروقات، والأمن الغذائي وتعزيز الطاقات البشرية والمؤسساتية والحكامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما تولي مقاربة الجزائر أولوية للبعد الإنساني في إطار ترقية الحوار الثقافيوالحضاري، في ظل تنامي مظاهر التطرّف ومعاداة الأجانب والإسلاموفوبيا ورفض الآخر. وعليه ترى بلادنا أن ترقية تنقل الأشخاص وحماية رعايا البلدان الأخرى المقيمين بصفة شرعية في بلدان الاتحاد الأوروبي، ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار ضمن سياسة الجوار الأوروبية الجديدة، إلى جانب احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها والتسوية العادلة والدائمة لجميع النزاعات، كونها تعد من عوامل الاستقرار والأمن في المنطقة. وتسعى الجزائر من خلال مشاركتها في اجتماع بيروت، إلى تقديم إسهامها البنّاء في إعداد سياسة الجوار الأوروبية الجديدة التي تتضمن رؤى مشتركة وليّنة تستجيب لتطلعاتومصالح الطرفين، من منطلق قناعتها بأن ترقية حسن الجوار يعد من صميم عملها، في وقت دعت إلى إعداد تصور براغماتي قريب من الواقع ضمن كل سياسة جوار. وتعد سياسة الجوار الأوروبية مبادرة إقليمية تخص 10 بلدان من الضفة الجنوبية، وهي بمثابة تطبيق ثنائي في إطار التوقيع على مخطط عمل مع كل بلد شريك. كما أن الجزائر على قناعة بأن سياسة الجوار الأوروبية يتم إعدادها وتنفيذها في ظل التشاور، بحيث تأخذ في الحسبان قدرات كل بلد على حدة. وقد حددت سياسة الجوار الأوروبية الجديدة منهجية العمل وأولويات التعاون التي يقترحها الاتحاد الأوروبي لجيرانه الشرقيين والجنوبيين. وفي ديسمبر 2011 أعربت الجزائر رسميا عن نيتها في مباشرة مفاوضات تمهيدية من أجل إعداد مخطط عمل في إطار هذه السياسة. وفي سنة 2012 جرت مفاوضات حول العناصر التأسيسية لمخطط العمل، تلاها افتتاح دورة مفاوضات في أكتوبر 2013، حول الوثيقة التي لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا. وتراهن الدول العربية خلال اجتماع بيروت على تنسيق تعاونها في إطار سياسة الجوار الأوروبية من أجل حماية مصالحها، وترقية حسن جوار يعود عليها بالمنفعة.