اللهفة... إنها "اللعنة" التي تطارد الكثير من الأشخاص طيلة أيام الشهر الفضيل، التي من المفترض أن تكون أياما وليال خاصة بالعبادة والتقرب من المولى العلي القدير... حيث يسيطر للأسف هاجس شهوات البطن كما لو أنها الطريقة المثلى للانتقام من ساعات الجوع والعطش، حيث ترص طاولات الطعام التي تجتمع عليها العائلة بعد أذان المغرب، بمختلف أنواع المخبوزات والعديد من أنواع العصائر الطبيعية منها والصناعية، وكذا المشروبات الغازية التي تعتبر العدو رقم واحد "للقولون"، طبعا دون نسيان مختلف الأطباق التي شكلت قبل ساعات حيرة ذلك الشخص، فبعدما اشتهت نفسه الدجاج وتخيله مشويا أو "طاجينا"، عشقت عيناه الأسماك بمختلف أنواعها وأحجامها فحمل منها ما حمل، ثم لعبت اللهفة بعقله وقصد الجزار واشترى منه ما طلبته اللهفة التي لا ترحم... وفوق الطاولة التي أنهكت جسد المرأة التي أعدت الطعام، تتجلى مظاهر اللهفة، ليأتي دور القضاء على المعدة التي لا تعرف بأي ذنب ستحمل الأطنان من الطعام التي لا تقدر على حملها أو هضمها لتسهيل عملية امتصاصها... فيصاب الملهوف - المسكين - بالتخمة، وما أن يفيق من النوم الاضطراري وقد انقضى وقت صلاة التراويح، تصول وتجول عيناه في المكان بحثا عن الحلويات التي اشتراها للسهرة... لن يطول البحث فهي بجانب صينية الشاي، فينطلق الشوط الثاني من عذاب المعدة التي تستسلم كراهية لرغبات الملهوف... رغم أن الرسول الكريم قد أوصانا خيرا بأنفسنا في هذا الجانب، فقال " نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا فلا نشبع"... تمتد أيام اللهفة وتسلخ معها كل ما في الجيب، حتى يضرب الملهوف الكف بالكف ويدخل نفق الدين والسلف.