تتسبب مركبات الأوزان الثقيلة سواء لنقل البضائع أو المسافرين، في حوادث المرور التي تعرف منحنى تصاعديا مخيفا في الوقت الذي تم إعداد قانون يُلزم مركبات الوزن الثقيل باستعمال جهاز "كرونو كارتيغراف" لتحديد السرعة، ومنه المسؤوليات، إلا أن القانون وعلى الرغم من أهميته لايزال على مستوى الحكومة منذ 2009. فهل من المعقول أن يتوفر الحل ويغيب التجسيد بينما يتواصل مسلسل الموت على الطريق بسبب غياب الانضباط لدى السائقين ولامبالاة المسؤولين؟ وفي هذا الشأن تشير مصادر موثوق فيها إلى سلسلة الإجراءات والاتصالات التي تجري حاليا مع منظمة أوربية للنقل، متخصصة في استغلال وتشغيل أجهزة مراقبة السرعة المعروفة بالصيغة العالمية "كرونو باكيغراف"؛ حيث تعمل المنظمات والهيئات المتخصصة على تقديم الدعم التقني ومرافقة المتخصصين وتكوين الأعوان على حسن استغلال هذا الجهاز "الرقمي" المتطور، والذي فضلته السلطات على الجهاز التماثلي حتى يكون أكثر دقة في المعطيات، وسهل الاستعمال والقراءة، علما أن الجهاز عبارة عن حافظ رقمي "فلاش ديسك" أو شريحة ذاكرة تتماشى مع المركبات الحديثة والقديمة. ..هذا هو النظري، لكن الواقع شيء آخر.. حيث نقف يوميا على ما تخلّفه حوادث المرور الكثيرة التي تتسبب فيها شاحنات نقل البضائع من الوزن الثقيل وسائقو حافلات نقل المسافرين. وفي كل مرة نتكلم عن إجراءات عقابية وأخرى تحسيسية لردع المخالفين، ووقف المجازر التي تأخد أرواح الأبرياء "بالجملة"، إلا أننا نتجاهل في مثل هذه المواقف، دور المسؤولين وحتى الوزراء المتعاقبين على قطاع النقل، والذين يتحركون عند وقوع الكارثة ويهددون ويتوعدون وهم في الحقيقة عاجزون حتى عن تطبيق أبسط القوانين التي من شأنها وقف هذا النزيف وتوفير أصغر جهاز يمكن تركيبه لإنقاذ مئات الأرواح. ولدى تطرقنا لملف حوادث المرور التي تتسبب فيها عربات الوزن الثقيل بجميع أصنافها، نتأكد من حقيقة هامة، هي أن الجزائر تتفنن في صناعة القوانين واستصدارها، إلا أنها تعجز عن تطبيقها ميدانيا، وكثيرا ما تتردد في ذلك، ونموذجنا في ذلك إلزامية تركيب جهاز خاص بمراقبة السرعة في الحافلات والشاحنات، والمنصوص عليه منذ سنة 1974، وتحديدا في المادة 94 من الأمرية 107/74 التي تتحدث عن جهاز الشاهد الذي كان معروفا في سنوات الثمانينات. ومنذ ذاك التاريخ تمت إضافة نصوص وقوانين أخرى، كما هي الحال بالنسبة للمادة 49 من القانون 2001-14 المؤرخ في 19 أوت 2001، وقانون المرور المعدل في 2009، والذي يلزم أصحاب مركبات الوزن الثقيل بتجهيز مركباتهم بعداد خاص أو ب "العلبة السوداء" المعروفة باسم "كرنو كارتيغراف"، والذي يسمح بتسجيل أو قياس السرعة التي تسير بها الحافلات والشاحنات إضافة إلى مدة السياقة وفترات الراحة. وكانت وزارة النقل تبرر عملية تأجيل تطبيق الإجراء الوقائي المتعلق بتجهيز عربات نقل البضائع والمسافرين بجهاز لتسجيل الدورات، والذي كان مقررا الشروع فيه سنة 2012؛ بحجة عدم المصادقة على القوانين المنصوص عليها، وكذا عدم الجاهزية والاستعداد الكامل للعملية التي كانت ستستغرق وقتا، حسب مصدر من الوزارة، ناهيك عن جلب التجهيزات اللازمة لذلك. وتقضي نصوص هذه القوانين بتزويد المركبات بجهاز تسجيل السرعة ووقتها، وبأنه يجب تجهيز كل عربة نقل بضائع يفوق وزنها الإجمالي المسموح 5ر3 أطنان، ومركبة نقل الأشخاص (أكثر من 09 مقاعد) بجهاز لتسجيل الدورات؛ كإجراء وقائي من أجل الحد من حوادث المرور. ويُعتبر جهاز تسجيل الدورات الذي يدعى ب "جهاز المراقبة"، جهازا إلكترونيا لتسجيل سرعة ووقت القيادة التي لا يجب أن تتعدى 9 ساعات خلال 24 ساعة واستراحة السائق التي لا يجب أن تقل عن 45 دقيقة خلال كل فترة زمنية؛ مما يسمح بتحديد مسؤولية السائق في حالة تسجيل أي حادث مرور؛ على اعتبار أن جميع البيانات محفوظة ومسجلة بالجهاز. ومن جهته، أشار مدير المركز الوطني للوقاية والأمن عبر الطرقات السيد الهاشمي بوطالبي، إلى أنه من شأن هذا الجهاز "الصغير في حجمه والكبير في فائدته" مراقبة السائقين وفرض احترام القانون. كما أن نجاح العملية يتوقف أيضا على تكوين عدد هام من المراقبين، وضمان تربصات متخصصة لأعوان الشرطة؛ حتى يتمكنوا من ترجمة المعطيات المسجلة بسهولة، والسهر على فرض الانضباط لدى السائقين. ويأتي هذا الإجراء الذي عكفت على إعداده لجنة وزارية منصّبة على مستوى وزارة النقل تضم ممثلين عن وزارة العدل وممثلين عن مختلف الهيئات الأمنية من شرطة ودرك بالإضافة إلى متخصصين في الطرقات والسياقة المرورية، بعد الارتفاع الكبير المسجل في عدد الحوادث المرورية التي تتسبب فيها سيارات النقل الجماعي والوزن الثقيل، والتي تذهب بحياة عدد كبير من الضحايا الذين لا ذنب لهم سوى أنهم تنقّلوا عبر هذه الوسيلة أو مروا بمحاذاتها بمركباتهم، علما أن الأرقام تشير إلى أن أزيد من 80 بالمائة من ضحايا وقتلى حوادث المرور، هم من المرافقين وليسوا سائقين. وتشير إحصائيات أمنية إلى تسجيل أزيد من 300 ألف مخالفة تتعلق بالإفراط في السرعة، وذلك خلال العام الماضي، في حين أن الشاحنات والحافلات وراء وفاة نصف عدد ضحايا حوادث المرور بنسبة 55 ,40 بالمائة. ويتسبب نقص تكوين سائقي هذا النوع من المركبات، في أزيد من 5000 حادث مروري، كما أن عدد ضحايا حوادث مركبات نقل المسافرين والبضائع؛ أي الوزن الثقيل، أكبر بكثير من عدد الضحايا الذي تخلّفه الأصناف الأخرى من المركبات، علما أن عدد مركبات نقل البضائع يشكل 13 ,29 بالمائة من مجموع الحظيرة الوطنية، في حين أن مركبات نقل الأشخاص والحافلات وسيارات الأجرة، تمثل نسبة 2 ,75 بالمائة. كما تؤكد الأرقام تورط أصحاب سيارات النقل الجماعي في الرفع من نسبة الحوادث، وهو ما بدا واضحا من خلال الأرقام المسجلة، التي تشير إلى مساهمة 755 سيارة نقل جماعي ممثلة في حافلات نقل المسافرين، و909 شاحنات نقل البضائع في حوادث مرورية خطيرة سنة 2014، أغلبها أدى إلى قتلى وجرحى في حالة خطيرة. كما تجدر الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من وسائل النقل الجماعي ونقل البضائع المشار إليها، تعاني من حالة متدهورة بسبب قدمها وغياب الصيانة اللازمة لها.