بات القاصد لمطاعمنا بغرض أخذ وجبة شهية لا يجد غير الأكلات السورية على القائمة المعروضة. هي أسماء لأكلات تعد غريبة وبعيدة نوعا ما عن قاموس الأكلات الجزائرية، "فتوش"، "تبولة"، "فلافل حمص" كلها تسميات لمقبلات سورية تسبق الأطباق الرئيسية منها: "شيش كباب"، "شيش طاووق"، "كباب" (لحم)....الخ، ناهيك عن ساندويتشات الشاورمة وخبزها الذي أصبحنا نجده تقريبا في جميع محلات بيع المواد الغدائية. والملفت للانتباه والمثير للجدل أيضا، أن معظم أصحاب المطاعم التي تروّج للأكلات السورية هم جزائريون! فما الذي يدفعهم إلى تفضيل الأكل السوري؟ هذا ما سنكشفه من خلال هذه الجولة الاستطلاعية التي قادتنا ساعة الغذاء إلى مطاعم جزائرية كلّ أكلاتها سورية. السيّد سفيان صاحب مطعم فخم، يقصده العديد من الزبائن بمختلف الفئات والأعمار، يقول: "قبل عشر سنوات، كان عندي مطعم صغير خصصته للأكلات الجزائرية التقليدية، كان يقصده عادة العمال والعزاب والرجال المتزوجون الذين لا تحسن زوجاتهم الطبخ والذين يتوقون دائما للأكلات التقليدية التي لها نكهة خاصة، مثل "شربة فريك" والكسكسي و"اللوبية المحبوبة"، لكن مع مرور السنين وتغيّر الأجيال وخروج جيل الساندويتش إلى الوجود، فرضت الشاورمة السّورية علينا فرضا، ومعها الأكلات الأخرى "كشيش'' ''طاووق" و''شيش كباب" المطلوبين بكثرة، حتى المقبلات السّورية عليها إقبال رهيب، كما ترين، ونحن نتبع رغبات الزبون الذي يعتبر ملكا.... أحمد، مدير مطعم مختص بدوره في الأكل السّوري، سألناه عن سرّ طغيان الأكلات السّورية على موائد المطاعم الجزائرية، فأجاب بلغة واضحة وصريحة: "الحقيقة أن الفرد الجزائري ملّ من الأكلات الدسمة وبات عاشقا للأكل السّوري الخفيف الذي له نكهة خاصة بتوابل مميزة، أنا في هذا المجال لا أنقص من قيمة الأكلات الجزائرية المشهود لها باللذة والتميّز عالميا، لكن ما أريد قوله؛ إن أكلاتنا يجدها الزبون حاضرة في بيته متى شاء، لكن حين يريد التغيير والهروب من الروتين الغذائي اليومي يلجأ إلى المطعم ليجد أكلا آخر يلبي شهوة بطنه التي تهفو من حين لآخر للتغيير''.. ''سليم.أ"، شاب في العشرينات من عمره يدير مطعم والده، قال بدوره مصرحا: "في اعتقادي الأكلات السّورية أصبحت موضة في عالم الوجبات المقدّمة في المطاعم الجزائرية، صحيح أن وجودها بات ضروريا لتهافت الزبون عليها والكسب الواسع وراء تحضيرها، لكنني شخصيا كشاب، أراها مجرّد موضة لا ضرر منها وستزول قطعا بظهور موجة أخرى تأتي بعدها ... تحدثنا إلى بعض الزبائن وأخدنا رأيهم في الموضوع فكانت بعض هذه الردود: شاهيناز شابة جامعية كان جوابها مدروسا قالت: "أرى أن الأفلام السّورية والمسلسلات، ومنها مسلسل باب الحارة، قد أثّر تأثيرا كبيرا على الفرد الجزائري ولعب دورا كبيرا في كسب القلوب الجزائرية، واستمال حتى بطونهم التي باتت عاشقة للأكل السّوري أيضا! فأنا شخصيا أصبحت مدمنة على الكباب وشيش طاووق! ولشدة حبي لهما، تعلّمت الطبخ السّوري، لكن صراحة لم أصل بعد إلى درجة التفنن فيه، لهذا تجدينني دائما هنا رغم غلاء تكلفة الوجبة، مضيفة؛ لكن هذا لا يعني أنني موافقة على أن تطغى مثل هذه الأكلات على المطاعم الجزائرية وتشملها، فجميل أن نروّج لأكلاتنا بقدر ما نروّج لأكلات غيرنا ونخصّص لها مطاعم تستقبل الزوار والوافدين الأجانب. وهنا تتدخّل سارة صديقة شاهيناز قائلة: "بالفعل أرى أنّه من المخزي أن يأتي أجنبي إلى الجزائر ويقبل على مطعم على أساس أنّه مطعم جزائري يزخر بأكلات جزائرية تقليدية، ليصادف بأكلات سورية! فهذا أمر غير معقول، حتى بالنسبة للفرد الجزائري يعتبر الأمر غير معقول... وهذا ما حدث بالفعل لأحد الزبائن الجزائريين حين دخل المطعم ليجد نفسه أمام قائمة مأكولات لا يفقه فيها شيئا. فبين "الفتوش" و''العرايس" و''الكبة" و"شيش كباب"، ضاع السيد! ليستنجد بعامل من عمال المطعم ويطلعه على نوعية هذه الأكلات علّه يجد وسط القائمة ما تعوّد على أكله في بيته، فعندما لم يجد، استأذن وانصرف. كان الأمر مضحكا بالفعل'' .. فبين راض بما يقدّم في المطاعم الجزائرية وبين تائه وسط أسماء الأكلات دخيلة، فرضت نفسها على جلّ المطاعم، تأرجحت الآراء ولعلّ الرأي الأرجح نستنبطه عند الإجابة على هذا السؤال الهام وهو: هل تحظى الأكلات الجزائرية بالاهتمام ذاته في المطاعم السّورية؟ وهل يمكن أن تغزو الأكلات الجزائرية يوما المطعم السّوري على حساب الأكلات المحلية السّورية، وفي وجودها؟ وهل يعقل أن يقبل المجتمع السّوري عليها مهما كانت مغرية وطيّبة ويترك أكلاته المعهودة، مروّجا للأكلات الجزائرية، أي ل"المثوم" و"الشوربة" والكسكسي و"الرشتة"، مهملا "المجدّرة" و"الكبة النية" و"اللبنية" وغيرها من الأكلات الشامية.