يعكّر صخب مدينة بيروت صفو حياة زوجين شابين رنا وغي؛ ما يجعلهما يفكّران في العودة إلى الأصول والأرض الأولى التي ترعرعا فيها، حيث الذكريات الأولى وصفاء الروح مسقط الذات والهوية، هي القصة التي روتها المخرجة اللبنانية رنا سالم بلغة صامتة في فيلمها الروائي الطويل "الطريق"، الذي قُدم أوّل أمس ضمن منافسة العناب الذهبي لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بالمسرح الجهوي "عز الدين مجوبي". مسار القصة لم يتكلّف عناء حبكة درامية معقّدة، حيث وضعت المخرجة أوّل فيلم روائي طويل لها في خط مستقيم يبدأ من قرار رنا ترك وظيفتها، وتمضي في حياة روتينية بدون أن تلمس وجود خلاف مع زوجها الذي يشتغل كمزارع في النهار، وفي الليل يبتكر عروضا حية في الملاهي الليلية والفنادق لسدّ لقمة عيشهما، غير أنّ الذكريات تعيد رنا إلى الماضي، ويأخذ الحنين زوجها إلى تفاصيل زمن فات كان له الوقع على وجدانه، فيقرّران عفويا الذهاب إلى الجبل حيث جذورهما الأصلية وبيتهما الأوّل؛ هربا من فوضى مدينة بيروت، ناشدين الهدوء خارجها. وظّفت المخرجة الصمت كدعامة أولى لتمرير رسالتها في وصف تعب المدينة، والتصوير المقرّب لملامح الوجه المعبّرة عن حالة من الملل والنفور من نمط حياة المدن، يحيل إلى أنّ الإنسان بحاجة إلى بعض الهدوء خارج المدينة مهما كانت ظروف الرفاهية التي توفّرها. كما استعانت المخرجة رنا سالم بالكاميرا المتنقلة، وكانت بمثابة الشخصية الثالثة التي رافقت الزوجين في رحلتهما، وشاهدة على أثرهما نحو السكينة واسترجاع بعض الإنسانية التي تفسخت في أجواء المدينة المعقدة. وكشفت المخرجة اللبنانية رنا سالم أنّ "الطريق" هو عملها الروائي الطويل الأوّل، بعد تجربة في إخراج أفلام قصيرة ووثائقية. وأضافت أنّه عمل يبحث في سؤال الهوية والذاكرة اللبنانية بعد الحرب الأهلية، مشيرة إلى أنّ اللبنانيين لا يحبون التحدّث عن الماضي. وقالت إنّ لبنان ظلّت مرادفا للفوضى، وفي العمل هذا تبحث عن الماضي، وعن هؤلاء الراغبين في الرحيل، لكنهم مرتبطون بماضيهم، وأنّ الشباب حاليا لديهم العديد من الأسئلة التي تسكن وجدانهم بخصوص تفاصيل الحرب الأهلية التي لم يجدوا لها إجابة بعد. وأضافت في ندوة صحفية نشّطتها بعد نهاية عرض الفيلم، أنّ "الطريق" يحيل إلى التساؤل عن جدوى الحياة العصرية، داعية إلى لزوم الرجوع لحياة لها علاقة بالأرض لعيش شيء جديد. وقالت المتحدّثة إنّ بيروت مدينة صغيرة جدا تعطي إحساسا بالإرهاق والوحدة، وبطلا الفيلم يفتشان عن شيء أحسن. وبخصوص الصمت المطبق على أغلب أطوار الفيلم، ردّت المخرجة أنّ الصمت بات ضروريا هذه الأيام بعد الكلام الكثير الذي كان، للوصول إلى فهم أمور كثيرة.