تعج بعض الأسواق والشوارع في هذه الآونة بمشاهدة فتيان وفتيات، يبدو أن قاسمهم المشترك هو إعالة أولياء سئموا تكاليف الحياة فألقوا بثقلها على كاهل أبنائهم ليكونوا بمثابة أدوات تجارية تدر الأرباح في رمضان.. وبناء على هذه النزعة المادية، يجهل العديد من الأولياء الذين يتبنون قاعدة التجارة "شطارة"، أنهم شيدوا جدارا أقوى من جدار برلين بين الأطفال وبين حقهم في حياة طفولية بعيدة عن هموم الكبار، بل وفتحوا أعينهم مباشرة على تجارة الأموال بدل تجارة العقول، التي توجب أن يكونوا منشغلين في هذه الآونة بالاستعداد للدخول المدرسي وليس بالبيع في الشوارع والطرقات، حيث تتربص بهم مخاطر الاعتداءات وضربات الشمس الحارقة! الظاهر أن هذا الشهر أصبح عدسة كبيرة لرصد "خرجات سلوكية" لا تحصى.. و كأني به شهر للمتاجرة على حساب أجساد الصغار، الذين توحي أعدادهم الهائلة بأنهم في مسابقة لبيع المواد الاستهلاكية.. "مطلوع"، معدنوس، حمص.. كل شيء يصلح للبيع في هذا الشهر، حتى وإن كان بنكهة الذباب، الغبار والأدخنة!! و كل شيء يصلح للشراء في شهر يفقأ العيون حتى وإن تعلق الأمر بالخبز الذي يسكن أمعاءنا... وعلى هذا النحو، يخترق البعض بالظواهر المشينة، الخطوط الحمراء لأخلاقيات الشهر بدرجة جيد جدا، خاصة وأنها تكرس الاعتقاد بأن رمضان مناسبة للتخمة التي تجعل كل الاهتمام مركزا على تلك اللحظة التي تتم فيها الاستجابة لنداء البطن بشهادة الطوابير الطويلة والعريضة التي نرصدها حول محلات العجائن والحلويات.. وما إلى ذلك من الطوابير التي تكفر تماما، بقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "صوموا تصحوا".. لكن المشكلة هي أن البعض لا يدركون ما الجدوى من الصيام، الذي تحول إلى صفقة لتشغيل الشباب وربح الأموال وتلبية الشهوات المتراكمة!!