لم تشأ السلطات الروسية السير في سياق لغة التهديد التي انتهجتها الولاياتالمتحدة ضدها في الأيام الأخيرة وفضلت بدلا عن ذلك استخدام لغة دبلوماسية في الرد على التهديدات الأمريكية في مسعى لتخفيف الضغوط الغربية المتزايدة عليها بعد العمل العسكري الذي قامت به في جورجيا. وهدأت موسكو أمس من لغة تعاملها مع غريمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وأكدت أنها لا تريد الدخول في مواجهة مسلحة معها على خلفية الأحداث الأخيرة في منطقة القوقاز وما تلاها من ملاسنات واتهامات أعادت إلى الأذهان شبح الحرب الباردة التي طبعت العلاقات بين البلدين طيلة نصف قرن. وقال نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر اياكوفانكو أمس أن نشوب حرب بين روسياوالولاياتالمتحدة أمر مستبعد في نفس الوقت الذي استبعد فيه قيام قوات بلاده بأي عمل عسكري آخر ضد أية دولة في منطقة القوقاز. وجاءت تصريحات المسؤول الروسي بعد التطمينات التي قدمها الاتحاد الأوروبي للسلطات الجورجية بحمايتها من أي تهديد روسي جديد ضدها. وأكد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين من جهته أمس ان محاولات دفع روسيا باتجاه الدخول في متاهة حرب باردة جديدة إنما الهدف منها عرقلة تنمية وتحديث اقتصادها وأكد أن هذه المواجهة ليست خيارا بالنسبة لروسيا. وأضاف بوتين أن بلاده تريد الانضمام إلى مسار الاقتصاد العالمي الحر، مستنكرا في نفس الوقت كل المحاولات الرامية إلى العودة بها إلى فترة الحرب الباردة. وقال أن ذلك يهدف إلى عرقلة نمو الاقتصاد الروسي وبما يشكل تهديدا لمشروعنا الخاص بتحقيق التطور والعصرنة. وجاءت التطمينات الروسية بعد تصريحات ساخنة لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس التي اتهمت فيها روسيا بالاستبداد في مواقفها والعدوانية في تصرفاتها حاثة الدول الأوروبية إلى توحيد مواقفها من اجل منع روسيا من جني أية مكاسب من عمليتها العسكرية في جورجيا. وهددت المسؤولة الأمريكية بمنع انضمام روسيا إلى المنظمة العالمية للتجارة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وكانت الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية اجتمعت أول أمس لدراسة مسألة انضمام روسيا إلى هذه الهيئة الاقتصادية ولكنها أرجأت الفصل في هذا الخصوص إلى غاية شهر نوفمبر القادم. وقالت كوندوليزا رايس أن الهدف من هذه التهديدات هو التأكيد للمسؤولين الروس أن خياراتهم الأخيرة تضعهم في طريق يصب في اتجاه واحد وهو طريق العزلة الدولية. ويبدو أن المسعى الأمريكي الرامي إلى عزل روسيا على الساحة الدولية لم يلق التأييد المرجو من عدة دول أوروبية فاعلة وخاصة تلك التي تعتمد بشكل يكاد يكون كليا في تموينها بالطاقة على الغاز والبترول الروسيين وعلى رأسها ألمانيا وايطاليا. وكانت الإدارة الأمريكية شددت من لهجتها تجاه موسكو وأكدت باحتمال طرد روسيا من عضوية مجموعة الثماني الكبار في العالم عقابا لها على تصرفاتها الأخيرة باتجاه دول الجوار. وهو ما رفضته ايطاليا التي تضمن الرئاسة الدورية للمجموعة بطريقة ضمنية وأكدت على لسان رئيس حكومتها سيلفيو برليشكوني أنها ستوجه دعوى رسمية في هذا الخصوص إلى الرئيس ديمتري ميدفيديف لحضور قمة المجموعة المقرر عقدها بداية العام القادم بجزيرة مادالينا الإيطالية.