تعاني معظم الهياكل الصحية من نقص الكادر شبه الطبي، وهو ما يسبب ضغطا كبيرا في بعض المصالح الطبية عن غيرها، ويخلف امتعاضا شديدا لدى المواطنين الذين يضطرون أحيانا إلى قطع مسافات طويلة طلبا للعلاج لنفس السبب. وحسب بعض مسيريّ الهياكل الصحية، فان هذا النقص يرهن كثيرا عملية التكفل الجيد بالمرضى، وطالبوا وزارة الصحة بإعادة دراسة احتياجات كل معاهد تكوين شبه الطبي عبر الوطن. قال السيد حشاني بوخلوة، أستاذ مفتش بالمعهد الوطني البيداغوجي للتكوين شبه الطبي في العاصمة، أن نقص الهياكل البيداغوجية والتأطير والإمكانيات، من الأسباب الرئيسية لإشكالية العجز المسجل في الكادر شبه الطبي في مختلف الهياكل الصحية والعلاجية عبر الوطن. وأضاف المسؤول في حديث إلى "المساء"، على هامش الصالون الدولي الثالث للمستشفى المنعقد مؤخرا بالعاصمة، أن تخرج حوالي 12 ألف شبه طبي سنويا في مختلف التخصصات لا يغطي العجز المتزايد في خدمات هذا الكادر، بسبب تزايد الحاجة إلى الخدمات الصحية بفعل التزايد الديمغرافي. وسجل المعهد الوطني البيداغوجي لتكوين شبه الطبي بحسين داي، خلال السنة الجارية 2015-2016، أكثر من 5 آلاف طالب يتلقون تكوينات متفرقة في مجال شبه الطبي، بما فيها التمريض العام والمخبر والأشعة والتدليك والقابلات والأمانة الطبية وغيرها. تقريب الصحة من المواطن يستوجب دعم الموارد البشرية ورغم وجود أكثر من عشرين معهدا للتكوين في شبه الطبي عبر الوطن، إضافة إلى 3 معاهد متخصصة في تكوين القابلات، وسبعة معاهد لتكوين مساعدي التمريض، إلا أن العجز يبقى محسوسا في معظم الهياكل الصحية والمؤسسات الاستشفائية، بتأكيد من مسيري المؤسسات الصحية أنفسهم، حيث يعترف الدكتور معاذ عماد الدين، مدير الصحة والسكان لولاية الأغواط، بنقص الكادر الطبي المتخصص والكادر شبه الطبي، معتبرا أن هذا النقص إشكال وطني يحتاج إلى إعادة نظر، خاصة أن الوصاية تبنت إستراتيجية صحية جديدة من أجل تقريب الصحة من المواطن أكثر، "وهذه الإستراتيجية الجديدة تتطلب دعما بالموارد البشرية، سواء في الأطباء المتخصصين أو شبه الطبيين، وكذا بالعتاد الطبي اللازم لمواجهة ازدياد الطلب على خدمات الصحة"، يقول المتحدث. من جهته، قال السيد محمد سنوسي، مدير المؤسسة الجوارية للصحة العمومية "لمطار" في ولاية سيدي بلعباس؛ إن تحسين الخدمات الصحية لا يقتصر على تحسين الاستقبال والتكفل الجيد بالمرضى فحسب، بل كذلك دعم الطواقم العاملة بهذه الهياكل وتحديدا شبه الطبي، وكشف عن إحصاء مؤسسته ل83 طبيبا عاما و06 مختصين و18 طبيب أسنان و240 من شبه الطبي موزعين على 15 مؤسسة صحية، منها العيادات متعددة الخدمات والمؤسسات الجوارية للصحة العمومية و21 قاعة علاج، "رغم ذلك، نسجل عجزا في التغطية الصحية"، يقول المسؤول. الطلب يفوق العرض.. بكثير! ومن المنتظر أن يتم تدعيم التكوين في شبه الطبي قريبا، من خلال فتح معاهد متخصصة، من بينها أقسام تكوين داخل المؤسسات الاستشفائية، بما سيسمح بتغطية العجز المسجل في مجال أعوان شبه الطبي، علما أن الطلب على هذا التكوين يفوق العرض بكثير، حسب السيد حشاني بوخلوة الذي أكد في المقابل أن نقص التاطير يعد الآخر نقطة سلبية في مجال التكوين النوعي. ويقترح المتحدث تدعيم المعاهد الموجودة أو توسيعها، إضافة إلى دعمها بالتأطير البيداغوجي، ملفتا إلى وجود أكثر من 500 أستاذ مشرف على جميع التخصصات في المعاهد والمدارس المتخصصة. كما ذكر المسؤول بالمعهد الوطني البيداغوجي لتكوين شبه الطبي في حسين داي، أن 60 % من المتخرجين من المعاهد المتخصصة لتكوين شبه الطبي هم ممرضين، وهو ما يخلق عجزا في بقية التخصصات شبه الطبية، بما فيها الأشعة والمخبر والتدليك والقابلات والمساعدة الاجتماعية وأعوان التمريض وغيرها، وذكر على سبيل المثال، تسجيل العاصمة لعجز ب30 % وقسنطينة بحوالي 40 % وورڤلة بحوالي 60 %، مشيرا إلى أن تحويل المدارس القديمة للشبه الطبي حتى تصبح معاهد عليا للتكوين في المجال وكذا معاهد لشبه الطبي زائد مدرسة متخصصة (الأغواط)، والتي جاءت وفق الإصلاحات الأخيرة على التكوين، بإدخال نظام "ال.ام.دي"، تتطلب إمكانيات مادية وبشرية كبيرة لإنجاحه، "غير أن الملاحظ على أرض الواقع مختلف تماما، وهذا يتجلى في نقص المُكونين، علما أن آخر دفعة لتكوين أساتذة في شبه الطبي كانت سنة 2010"، يشرح المتحدث ويضيف: "هذا يعني عجزا في التأطير لم يتم تغطيته إلى اليوم، بالرغم من صدور المرسومين التنفيذيين رقما 121 و122 بتاريخ 23 مارس 2011 والمتعلقان بالقانون الأساسي للشبه الطبي والقابلات وكيفية التكوين، أي تنظيم المهنة صحيح ولكن زيادة الصعوبات، بالنظر إلى التحديات الكبيرة الملموسة". تغطية العجز ممكن.. المطلوب: قرار سياسي شجاع في السياق، ينتقد حشاني بوخلوة سياسة الوصاية التي تجعل الممرض عموما في الواجهة، وهو ما يجعله محل انتقادات واعتداءات في ظل الضبابية التي تسود تحديد المهام، يقول: "تحديد المهام غير محترم وغير واضح، بمعنى ما تقوله النصوص في تحديد المهام لا تطابق الواقع في الهياكل الصحية بوجه عام، فمثلا الحقنة ليست من مهام الممرض وإنما من مهام عون التمريض، ولكن لأسباب كثيرة، ومنها نقص شبه الطبيين وكذا عدم تحديد المهام يجعل الممرض يقوم بها". وبغية تنظيم القطاع أحسن، بما في ذلك تغطية العجز في شبه الطبي، يقول المتحدث؛ إنه "لا بد من قرار سياسي مشترك بين وزارتي الصحة والمالية، إضافة إلى الوظيف العمومي، فلو يتم تطبيق هذا القرار بفتح مناصب مالية للكادر، فإنه سيتم تغطية هذا العجز في غضون 5 سنوات.