يحاول الفيلم الروائي الطويل "المعاناة" عبثا أن يقدم عملا سينمائية صحيحا، إذ تفوقت الصورة النمطية في معالجة العديد من القضايا الاجتماعية، واستند مخرجه سيد علي فطار على فكرة جميلة، لكنها حالت دون أن تصاغ في نسج سينمائي بديع، ذلك أن التقنية ضاعت من يديه، وتغلّب الخطاب الديماغوجي الممل على مجريات الفيلم. الجزائريون في يومياتهم لا يتكلمون العربية الفصحى ولا الفرنسية الفصحى، الجزائريون يتكلمون الدارجة، لكن السينما الجزائرية تحاول أن تثبت العكس عبر العديد من النماذج لأفلام ضعيفة المستوى، ولعل آخرها فيلم "المعاناة" الذي قُدم العرض الأول له أمس بقاعة سينما "الجزائرية"، التي تروي قصة معاناة رب عائلة بسبب أولاده ومشاكلهم التي يواجهها في كل مرة، وبالمقابل أيضا يشكل هذا الفيلم معاناة بالنسبة للمتلقي. استعمال اللغة الفصحى من لدن الممثلين أضعف العمل، كما يعيب الإخراج الذي تكفّل به سيد علي فطار. قصة الفيلم، رغم أنها تبدو جيدة، غير أن تجسيدها على الواقع كان صعبا؛ إذ غلب عليه الإخراج التلفزيوني، وهي المدرسة التي نهل منها فطار وتأثر بها وتجلت في عمله.ومن المؤسف أن يفشل السيناريو الذي كتبه المخرج إلى جانب السينمائي المخضرم لمين مرباح، ففكرة الفيلم تناقش عددا من الأسئلة المهمة في الحياة، على غرار تمويل الإرهاب الذي أظهره المخرج في قالب كاريكاتوري. كما يفتح العمل جدلية تداعيات الوئام المدني، وهل حقق فعلا المبتغى؟ لكنه استعان بقوالب جاهزة، وابتعد عن عنصر التشويق وجماليات الصورة السينمائية التي يتعلق بها المشاهد. واستعان المخرج بتقنية الفلاش باك والأرشيف، لتكون أحداث أكتوبر 1988 خلفية تاريخية لتبرير الأحداث التي تلتها وعاشتها الجزائر من دمار ودم، ثم يعود للحديث عن مشاكل السكن والفساد الاقتصادي في بداية التسعينات، ثم إلى بداية الألفية الثالثة، ثم يشير إلى رجل أعمال يستعمل لوحا إلكترونيا، وهو منتوج من الراهن، مما يعني هناك تشتتا في الفترة التي يعالج فيها المخرج مواضيعه، وتوحي بوضوح تام بأن قصة الفيلم مضطربة، تستدعي إخراجه مرة ثانية. .