مازالت عملية التفجير الانتحاري، التي هزت قلب العاصمة السورية، تثير جدلا حادا حول الواقفين وراءها بعد أن فضلت السلطات السورية التزام الحذر في اتهام أية جهة بالوقوف وراء هذه العملية. ومازال الغموض يكتنف ملابسات وقوع هذا التفجير الانتحاري، خاصة وأن أية جهة ولم تتبنه كما جرت العادة في مثل هذه العمليات. وفتحت مثل هذه الوضعية الباب أمام طرح كل الفرضيات المحتملة ولكن بسؤال واحد: من نفذ عملية دمشق؟ وتصدّر هذا التساؤل واجهات معظم الصحف الصادرة في مختلف البلدان العربية التي تناولت الحادثة بكثير من الاهتمام وتحت عنوان كبير: هل التفجير عملية إرهابية أو مؤامرة أمريكية إسرائيلية لضرب الاستقرار في سوريا؟ وكانت العاصمة السورية اهتزت، فجر أول أمس، على أعنف عملية تفجيرية بسيارة ملغمة خلفت مصرع 17 سوريًا وإصابة عددا مماثلا في سابقة هي الأولى من نوعها منذ قرابة ثلاثة عقود. وقد أولت الصحف الأردنية الصادرة أمس أهمية خاصة لعملية التفجير الانتحاري الذي أعاد الى أذهان الأردنيين تلك المشاهد المرعبة لعمليات مماثلة اهتز لها الشارع الأردني قبل سنوات. وكتبت صحيفة "الدستور" الأردنية أن عملية التفجير مؤامرة إسرائيلية حظيت بدعم أمريكي مسبق، الغاية منها زعزعة الاستقرار في الجارة سوريا وخلق جبهة معارضة لنطام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي أصبح يشكل عقبة أمام السياسات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة العربية. ولكن صحيفة "الراي" المعروفة فقد تناولت العلمية من زاوية مقاربة أخرى وأكدت أن عملية دمشق "تعتبر بمثابة إنذار لشعوب المنطقة العربية ولكون الإرهابيين يريديون القيام بأي عمل من أجل قتل المزيد من الضحايا المدنيين بهدف عرقلة كل الجهود الإقليمية الرامية إلى تنمية المنطقة. أما صحيفة "الراية" القطرية فقد أكدت من جهتها أن التوتر الذي ستحدثه هذه العملية ستؤدي دون شك إلى التأثير على المجتمع السوري ولن يجني ثمارها سوى أولئك الذين يتحيّنون فرصة الضعف العربي لتمرير مخططاتهم. أما صحيفة "الشرق" فقد حمّلت بطريقة ضمنية مسؤولية هذه العملية على الولاياتالمتحدة عندما كتبت "إن العملية تعتبر بمثابة تأكيد على فشل الحرب الشاملة على الإرهاب" في إشارة إلى الحرب الأمريكية على هذه الظاهرة في أفغانستان والعراق. وأكدت أن هذه الحرب لم تكن إلا عاملا مساعدا على توسع رقعة هذه الظاهرة الى مختلف الدول العربية الأخرى. ولم تشأ صحيفة "الأنوار" اللبنانية اتهام أية جهة وفضلت التريث في إصدار حكمها وأكدت أنه من السابق لأوانه تفكيك خيوط رسالة تفجير دمشق الدموية. وعلى غير عادتها فقد التزمت الصحف اللبنانية المعادية لسوريا صمتا مبطنا واكتفت بنقل أخبار العملية دون تعليقات. يذكر أن إدارة الاحتلال الإسرائيلي التي وجهت إليها أصابع الاتهام بالوقوف وراء هذه العملية بحكم العلاقات المتوترة بينها وبين دمشق، فقد سارعت الى نفي كل صلة لها بالعملية وأكدت أنها لا يمكن أن تتورط في عملية مثل هذه. وقال وزير الشؤون الاجتماعية في إدارة الاحتلال، إسحاق هرزوغ، أمس، إنه من غير المعقول أن تتورط إسرائيل في عملية من هذا النوع وخاصة ونحن نتفاوض مع الطرف السوري في مسعى للتوصل الى اتفاق سلام نهائي بيننا". وأبقت صحيفة "الوطن" السورية، التي عادةً ما تعبر عن المواقف الرسمية في سوريا، قائمة الجهات المحتملة بالتورط في هذه العملية مفتوحة، فقد بدأتها بإسرائيل وصولا الى مختلف أجهزة الاستخبارات العالمية ومرورا بالميليشيات المنتشرة في الدول المجاورة والجماعات الإسلامية المسلحة.