تحوّل اهتمام المصطافين والسياح خلال فصل الصيف من البحث عن الشواطئ الخلابة للاستمتاع بزرقة المياه النقية، إلى البحث عن السكينة ونسيم الجبل للاستمتاع بخضرة الطبيعة والهدوء، مع اكتشاف حيوانات جديدة ومعالم طبيعية، والاستفادة من قسط من الراحة بعيدا عن ضجيج المدينة. المركز الوطني للرياضة والترفيه لتيكجدة، تحوّل خلال فصل الصيف الجاري، إلي قبلة للعائلات التي أصبحت تزاحم الفرق الرياضية في هذا المعلم السياحي بامتياز، وهو ما جعل مسيّري المركز الذي يضم أربعة مبان فندقية، يتأقلمون مع تنوع طلبات الإقامة لديهم؛ من خلال خلق فضاءات لتسلية الأطفال، واقتراح سبع جولات سياحية وسط أشجار الصنوبر الحلبي، وفتح المسبح لكل الزوار مجانا طوال موسم الاصطياف الذي اختتم يوم الجمعة الفارط. التنقل إلى قمة جبال الحظيرة الوطنية لتيكجدة بولاية البويرة، لم يعد بالأمر الصعب بعد تعبيد الطريق التي تمتد على مسافة تزيد عن 30 كيلومترا، وهي التي تقع ما بين منعرجات سلسلة جبال لالة خديجة المعروفة بقممها الشامخة، التي تستقبل في كل فصل شتاء أولى حبات الثلج، التي تتحول مع كل فصل صيف إلى منابع للمياه الباردة التي يتهافت عليها سكان المنطقة، الذين بادروا بإنجاز منابع خاصة للاستمتاع بعذوبة المياه في عز فصل الصيف. أول ما تصل إلى أعالي القمة تجد مدخلا خاصا بالمركز الوطني للرياضة والترفيه التابع لوزارة الشباب والرياضة، وهو الذي يضم أربعة مبان فندقية، وهي جرجرة، تيكجدة، "شالي الكاف" و"أوبارج"، الكل بطاقة 460 سريرا. ونظرا لارتفاع الطلب على خدمات المركز الذي يمتد على مساحة 6 هكتارات والذي يسهر على تسييره لتوفير خدمات الفندقة والإطعام 140 عاملا، تقرر إنجاز فندق خامس بطاقة 160 سريرا، يُتوقع أن يدخل الخدمة مع مطلع موسم الاصطياف المقبل، مع العلم أن نسبة تقدم الأشغال بلغت 70 بالمائة. هدوء المكان يعزلك عن الحياة الافتراضية عبر الأنترنت زوار الموقع من فرق رياضية وعائلات، أعربوا لنا عن إعجابهم بنظافة غرف الفنادق، التي رغم أنها غير مصنفة على غرار باقي الفنادق السياحية، إلا أنها تقدم خدمات في المستوى، خاصة أنها تضمن الراحة لمرتاديها، وتجعلهم يقطعون الاتصال كليا بيومياتهم الصاخبة. وحسب السيدة ليلى فإن أبناءها غالبا ما تجدهم يعيشون في عالمهم الافتراضي عبر هواتفهم النقالة واللوحات الرقمية، خاصة بعد تعميم خدمات الجيل الثالث، لذلك قررت هذه السنة اختيار أبعد نقطة لقضاء العطلة السنوية بعيدا عن شبكات التواصل الاجتماعي و"الفايبر"، وهو ما وجدته في المركز الذي سمح لها ولأبنائها باكتشاف جمال وتنوع الطبيعة، مقترحة على باقي العائلات زيارة المكان، ليكون بمثابة فترة لإعادة تأهيل الجسم والعقل قبل موعد الدخول الاجتماعي. من جهته، أكد لنا علي، وهو رب عائلة مقيمة بالمهجر، أنه فضّل تقسيم العطلة الصيفية بين السياحة الشاطئية والجبلية. وقد اختار فنادق مركز تيكجدة لقضاء 15 يوما في الجبال، وهي الفترة التي سمحت له بالتعرف على عدة أنواع من النباتات والحيوانات البرية، معربا لنا عن استحسانه مبادرة تنظيم مجموعة من الجولات السياحية الجبلية للعائلات لتقريبهم من الطبيعة وغرس ثقافة بيئية، خاصة أن الدليل الذي ينشّط الجولات، يجمع في شروحاته بين التاريخ الثوري للمنطقة والدروس العلمية التي تقدمها للصغار والكبار حول أسماء الأشجار وظروف تكاثرها وتنوع الحيوانات البرية. من جهتها، تجد الفرق الرياضية ضالتها عبر المساحات المحيطة بالمركز، التي تحولت إلى مساحات طبيعية للتدريب تمتد على أكثر من 8 آلاف هكتار، حيث يستغل المدربون المسارات ما بين الغابات للتدرب في كل أنواع الرياضات خاصة الجري، كرة القدم وكرة اليد، في حين يفضل مدربو الجيدو المكان لتدريب الرياضيين على النفس الطويل وتقوية العضلات. وبالنظر إلى الجو الطبيعي للموقع تم استخلاف قارورات المياه المعدنية بمياه المنابع التي تتكاثر بالمنطقة، فتجد الرياضيين يتوقفون عند أول منبع للتزود بالمياه المثلجة في عز فصل الصيف، وهي نفس حال سكان القرى والمداشر القريبة من المركز، التي يتنقل سكانها مشيا على الأقدام أو على متن سيارتهم كل مساء، للتزود بالمياه التي تخصَّص للشرب. وفي تصريح لأحد العمال بمقهى المركز، فقد سُجلت هذه السنة طلبات كثيرة على غرف الفنادق الأربعة، وهو ما جعلها مشغولة طوال الفترة الصيفية، الأمر الذي لم يسجَّل منذ عدة سنوات بالمنطقة، مستحسنا إقبال العائلات على السياحة الجبلية وعلى الخدمات السياحية المقترحة بالمنطقة، وهو ما جعل إدارة المركز تخصص هذه السنة منحة بقيمة 1500 دج لكل العمال بمناسبة عيد الأضحى، تم تخصيصها نظير ارتفاع مداخيل المركز السنة الفارطة. المركز ليس بحاجة إلى تصنيف سياحي كونه يفضّل حالته "العذراء" إدارة المركز التي قررت عدم التعامل مع الوكالات السياحية، أقامت خدماتها السياحية مع طبيعة المنطقة؛ من خلال اقتراح ثلاثة أنواع من الخرجات الترفيهية، منها ما يخص التنقل على متن الأحصنة من نوع "بوني"، مخصصة للعائلات التي تزور المنطقة مع أبنائها، وخرجات مشيا على الأقدام، وأخرى على متن الدراجات الهوائية التي يتم تأجيرها من مصلحة تنظيم التظاهرات، في حين يتم خلال فصل الشتاء إضافة خدمات التزلج عبر "سكي" و"الزاحفات" التي تؤجَّر لنصف يوم مع توفير مدرب لكل مجموعة من السياح. ولضمان تأطير الخرجات وسط الغابات تم توظيف عدد من الشباب المكونين في مجال حماية الطبيعة والمدرب من طرف محافظة الغابات، للرد على تساؤلات كل زوار المنطقة، ولهم دراية بالأخطار التي قد تهدد سلامة السياح وسط الغابات. كما تم تخصيص 12 نوعا من الخرجات السياحية وسط الغابات، تتنوع، حسب الكيلومترات المقطوعة وصعوبة المسالك، وهي التي تتراوح بين 8 و9 كيلومترات، يمكن قطعها بين ساعة و6 ساعات مشيا على الأقدام ذهابا وإيابا، وهو ما يسمح بزيارة بحيرة تقع في أعلى قمة بتيكجدة، والاستمتاع بمياه منبع غازي. وعن سبب عدم التعامل مع الوكالات السياحية رد أحد المسيرين بأن الأمر يتعلق أساسا بعدم قابلية فنادق المركز استقبال كل الطلبات، خاصة أنه متعاقد مع مختلف الفيدراليات الرياضية، التي ترسل فرقها طوال أيام السنة للتدرب بالمنطقة، بالإضافة إلى احتضان عدة دورات تكوينية خاصة بالمجال الرياضي، لذلك تقرر عدم التعامل مع الوكالات السياحية، وترك المجال مفتوحا للمواطنين والسياح الأجانب، الذين يقصدون المكان بعد التعرف عليه؛ سواء عبر الأنترنت أو خلال الحديث مع الأصدقاء. وهناك سياح معتادون على المكان يأتون من روسيا وصربيا وعدة دول أوروبية أخرى ومن الولاياتالمتحدةالأمريكية. اقتراح تخفيضات بنسبة 50 بالمائة على تكاليف الإقامة ونظرا لانتهاء الموسم الصيفي الذي يكثر فيه الإقبال على المنتجعات السياحية، تقرر اقتراح تخفيضات على الإقامة بنسبة 50 بالمائة، تستمر من الفاتح سبتمبر إلى غاية 15 نوفمبر المقبل، على أن يتم رفع الأسعار من جديد خلال الفترة الشتوية، التي تعرف هي الأخرى إقبالا كبيرا من طرف الزوار. ولضمان توفير كل أنواع الخدمات تقرر تخصيص مبنى لإقامة العمال الذين يشتغلون 5 أيام متتالية، قبل الاستفادة من يومي راحة أو عشرة أيام مقابل أربعة أيام راحة، وهو ما يسمح بضمان الخدمة المتواصلة 24 ساعة على 24، خاصة بعد إدخال عدة نشاطات فنية وترفيهية، مع السهر على تنظيم نشاطات ثقافية تزامنا مع عدة مناسبات، على غرار نهاية السنة، الاحتفال بيناير والمولد النبوي الشريف. التخييم يعود من جديد إلى منطقة تيكجدة ونحن نزور المنطقة لأول مرة شدّنا منظر الشباب الذين قرروا التخييم في الطبيعة والتحول إلى العصر البدائي في تحضير مختلف أنواع الأطباق؛ من خلال إشعال النيران بالحطب المجمّع على محيط الغابة، مع جلب المياه من المنابع، والاستمتاع بالسكون واكتشاف المحيط الغابي الذي يضم العديد من المفاجآت، على غرار القردة التي تتنقل إلى المواطنين بحثا عن قوت يومها، أو الخنازير التي تبحث عن نفايات يتركها المخيّمون، أو مختلف أنواع العصافير التي تعلن عن كل صباح جديد. عودة المخيمين للمنطقة تؤكد توفر الأمن، خاصة أن وحدات الجيش الوطني الشعبي استحدثت وحدة متقدمة للحراسة بالمنطقة، في حين بادرت السلطات المحلية بتهيئة العديد من الفضاءات بالألعاب الخاصة بالأطفال، مع استغلال الحطب المسترجع من الغابة لإنجاز كراسيَّ وطاولات للعائلات، التي تتنقل كل مساء إلى قمة الجبل للاستمتاع ببرودة الطقس.