يقدم المخرج العربي لكحل، العرض الشرفي لفيلمه الجديد «البيض، رحلة في الذاكرة»، اليوم بمناسبة الاحتفال بالذكرى ال62 لاندلاع «الثورة المظفّرة»، وفي هذا السياق اتصلت «المساء» بكاتب السيناريو والمخرج والمنتج صاحب أفلام «المنطقة الثامنة»، المغيلي»، تاريخ المناجم» وغيرها، وأجرت معه هذا الحوار. طالبت بإنشاء مهرجان الساحل ولكن من دون جدوى ستحتضن البيّض، اليوم، العرض الشرفي لفيلمك الجديد «البيّض، رحلة في الذاكرة»، وهذا بمناسبة الاحتفال بأول نوفمبر، حدثنا عن تفاصيل الفيلم؟ ❊❊ اتفقت مع مسؤولي ولاية البيّض على تنظيم العرض الشرفي لفيلم «البيّض، رحلة في الذاكرة» بالمنطقة عرفانا لكل الجهود التي بذلها أبناؤها لإنجاز هذا الفيلم والحمد لله، سيتحقق ذلك اليوم، كما قمت بتغيير عنوان الفيلم من «جيريفيل، المقاومة» إلى «البيّض، رحلة في الذاكرة، 1942-1962»، حسب طلب بعض أبناء البيّض الذي رفضوا أن يطلق الاسم الاستعماري للمدينة على الفيلم. أيضا أردت أن يعرف الفيلم النّور في البيّض حتى نخلق عادة تتمثل في تنظيم العرض الشرفي للأفلام في عقر المنطقة التي وّظفت إمكانياتها البشرية والمادية لصنع هذا العمل. أما عن فحوى الفيلم فهو يحكي عن تاريخ البيّض في الفترة الممتدة من 1942 إلى 1962، أي منذ نشأة الحركة الوطنية، وهو فيلم خيالي مستوحى من أحداث واقعية، حيث اعتمدت على كتاب ربيعة موساوي (مديرة الثقافة بوهران) أخت المجاهد بوعلام بسايح، تحكي فيه عن عودتها إلى مسقط رأسها بعد غياب دام أربعين سنة، وهناك تتقاطع رؤيتها الحالية مع رؤية طفلة صغيرة عاشت في تلك الحقبة، كما استعانت بشهادة مذكّرة ماستر لخلادي، وهو من المنطقة ويدرّس بجامعة بشار، علاوة على شهادات لشخصيات مهمة وهي بقي بوعلام وبسايح أحمد وبشير محمد. أما الممثلون الذين شاركوا في الفيلم فأذكر من بينهم بهية راشدي التي تمثل دور المرأة التي عادت إلى مسقط رأسها، كما قامت أيضا بدور الراوية، أيضا نجد أيوب عميرش، خيرة بختي وعبد النور شلوش. بالمقابل أعدت كتابة السيناريو سبع مرات، حيث كنت في كل مرة استعين بأقوال المجاهدين. ألا تعتقد أنه من الصعب أو حتى من المستحيل الوصول إلى حقيقة واحدة تتعلق بالتاريخ، وكيف يتجاوز العربي لكحل هذه المعضلة في أعماله التاريخية؟ ❊❊ بالعمل طبعا، فقد قمت بإنجاز أكثر من عمل في «الوثائقي»، حيث كانت بداياتي في هذا المجال حينما أدركت أن لا أحد يتحدث عن المقاومة في منطقة الجنوب الغربي، وبما أنني أنحدر منها قررت أن أحمل رسالتها التاريخية وأن أفصح عنها أمام الملأ عن طريق صنع الأفلام، كما تناولت في السياق نفسه موروثها وموسيقاها بعدها تخصصت في تقديم الأفلام الوثائقية لأنتقل اليوم إلى أسلوب آخر وهو الاعتماد على التاريخ في إخراج أفلام خيالية. بالمقابل لا يمكن الاعتماد الحصري على شهادات المجاهدين لأن الكثير منهم نسوا الوقائع بفعل تقدمهم في السن وآخرون لا يستطيعون التنقل معك إلى معقل الحدث، لهذا اعتمد على ما استطيع من ذكريات المجاهدين، إضافة إلى الكتب التي ألّفوها، وهنا أقارن بين مجموعة من المعلومات التي تحصلت عليها من طرف عدة مصادر، وأقدم ما تم الإجماع عليه، أما في حال وجدت نفسي أمام معلومة «فريدة» من نوعها (غير متفق عليها)، فهنا إما أن لا أضعها في الفيلم أو أدمجها وأتحمّل المسؤولية وأفتح بها نقاشا. ولكنني تغيّرت وأصبحت اعتمد على البحوث العلمية التي يأخذ صاحبها على عاتقه مسؤولية كتابتها، ثم أقدمها لوزارة الثقافة، أيضا توجد هناك وزارة المجاهدين التي تقدم موافقتها من عدمها في الموضوع ولكنني أشك في أن يناقضوا أقوال الشخصيات التاريخية التي أتعامل معها. هدفي التعريف بتاريخ الجنوب الغربي كيف تتعامل مع الجدل الذي يصاحب الأفلام التي تنجزها؟ ❊❊ الجدل الذي تحدثه أعمالي ناتج بالدرجة الأولى لاهتمامي بالمقاومة في منطقة لم يتم التطرق إليها أبدا وكان ذلك سنة 2007، حينما قدمت عملي الذي حصرته بين تاريخيّ 1855 و1935 وكان تحت عنوان: «المقاومة بالجنوب الغربي للوطن»، ففسحت المجال للمناقشة والبحث وكانت النتيجة عشرات الكتب حول نفس الموضوع رغم أنه في العادة، الكتاب هو الذي يسبق الفيلم وليس العكس، إلا أننا في الجزائر نعاني من كتابات قليلة في التاريخ. هل انتقلت من صنع أفلام وثائقية إلى أفلام خيالية مستوحاة من التاريخ للاحتماء بغطاء «ذاتية الفيلم» حتى لا تتعرض إلى «هجوم»؟ ❊❊ نعم، ولكن قبل أن أسرد هذا الموضوع أقول إنّني قمت بهذه النّقلة في بداية الأمر نتيجة تطوري في المجالين الفني والتقني، وأذكر بداياتي مع المخرج الراحل بن مدور، أب الوثائقي في الجزائر، الذي وصل به الأمر إلى أن يصنع أفلاما خيالية مستوحاة من التاريخ وتضم مشاهد تمثيلية، ثم صحيح أن الفيلم الخيالي يحقق لك «حماية» لأنه عبارة عن رسالة ذاتية، في هذا السياق، تعرضت لمضايقات في البيّض بعد إنجازي لفيلمي الأخير بسبب أنني لم أتناول فلانا وعلانا، لكنني أجبتهم أن التاريخ هو الذي يفرض عليك أن تتعامل مع البعض كما أنني ضد الجهوية والقبلية، علاوة على أن اعتمادي على الأفلام الخيالية يعفيني من تقديم «الميكروفون» لمجاهد الذي في أغلب الأحيان يتحدث عن نفسه وإنجازاته ولا يقدم شهاداته حول شخصية أخرى. الفيلم الخيالي، غطاء أحتمي به ونقلة نوعية لمسيرتي ومع ذلك يمكن لفيلم خيالي مستوحى من التاريخ أن يسبب المشاكل لصاحبه مثلما حدث لإلياس سالم بفيلمه «الوهراني»، أليس كذلك؟ ❊❊ قبل أن أجيب عن هذا السؤال أريد أن أوضح أمرا يتعلق بتسمية «الثورة التحريرية الجزائرية» وهو ما أرفضه، لأن ما حدث كان كفاحا مسلّحا وليس ثورة، هذه الأخيرة ليست مجرد فكرة أو تعبير عن مرحلة آنية بل هي كمّ من المراحل القادمة وتحمل نظرة استشرافية وهو ما لم يحدث في وضعنا نحن، فلم نستطع حل مشاكل اللغة والدين والتاريخ فنحن لا نقبل بالآخر، كما يجب أيضا أن نتسامح فيما بيننا وأن نتمتع بحرية القول، وفي هذا السياق، أقول إن حاجتنا باعتراف فرنسا بجرائمها تأتي في مرتبة ثانية بعد أن نسمح للمبدع بأن يقدم أعماله بحرية تامة، وهنا حينما يكتب عن قمع فرنسا الاستعماري ويقرأ كتاباته المجتمع الفرنسي، يقوم هذا الأخير بمطالبة نظامه بالاعتراف. نتحدث دائما عن تمسك فرنسا بأرشيفنا وعدم الإفصاح عنه، ولكن ماذا عن أرشيفنا بالجزائر والذي يبقى حبيس الأدراج رغم مرور 54 سنة على استقلالنا؟ ❊❊ أتذكر أنه حينما كنت أعدّ فيلما عن المنطقة الثامنة سنة 2013، اشتريت أرشيفا من التلفزيون الجزائري وطلب منّي التوقيع على وثيقة تنص على عدم عرض عملي خارج الوطن، فصدمت وقلت أن فرنسا صورت مأساتنا على هواها في حين ليس لنا الحق في تصدير صورتنا إلى الخارج، لأتلقى ردا مفاده أن البلدين صادقا على اتفاقية حول هذا الأمر. بالمقابل أطالب السلطات بفك الرباط عن أرشيفنا فلا يمكن تغطية الشمس بالغربال لأننا نعرف من صنع الثورة ومن كان ضدها. يجب فك الرباط عن أرشيفنا قال وزير الثقافة إن القطاع الذي يسيّره لا يمكن له تجنّب سياسة التقشف التي تتبعها الحكومة، هل أنت مع هذا الرأي؟ ❊❊ لا يمكن لوزير أن يحدد السياسة الواجب إتباعها بل هي نتاج وعي مجتمع مبني على المدنية والمواطنة، وأضيف أننا اليوم ونحن في عصر التقشف أحوج إلى الثقافة، فمثلا كيف تحسّس الناس بضرورة عدم تبذير الخبز؟ سيكون ذلك من خلال فيلم أو مسرحية أو حتى بالإعلام، لهذا فالثقافة هي جزء من حياة المواطن، ولا يمكن أن نتقشف في أمور توعّي المجتمع، ولا أفهم لماذا نجد دائما وزارة الثقافة في مقدمة من يضحي في حين أن ميزانية وزارة المجاهدين ثابتة رغم أن عدد المجاهدين في تناقص؟. هل هناك خطوط حمراء في تعاملك مع التاريخ؟ ❊❊ حينما أنجزت فيلما عن المنطقة الثامنة والتي تعتبر أكبر منطقة وكانت تابعة للولاية الخامسة، وسبق أن أدارها كل من هواري بومدين والعقبي ولطفي، تحدثت فيها عن أناس شاركوا في عمليات ضد الجزائر ولم يتعرضوا لأي مضايقات حتى لا أقول أكثر، ولكنّني لم أشأ أن أقدم أساميهم أولا لأنهم معروفون عند العامة وثانيا لأني لا رأى نفعا من هذا الإفصاح خاصة أنني درست مع أبنائهم، وأضيف أنني ضد ما نطلق عليه تسمية «القطيعة» لأن بعد القطيعة يأتي الموت ولهذا أطالب بالاعتماد على السلم والمفاوضات في كل شيء لأنه حتى الحرب لا تحل شيئا. «أوندا» لم تقدم لي حقوقي ❊ يعاني المنتجون في الجزائر من مشكل تمويل أفلامهم، كيف يواجه العربي هذه المعضلة؟ ❊❊ لا يمكن أن تصنع فيلما في الجزائر من دون تمويل وزارة الثقافة، من دون أن ننسى التلفزيون الجزائري الذي مع الأسف أصبح يخدم مصالح البعض، ومع أنني على خلاف مع العديد من إطارات الوزارة إلا أنني أثمّنها في دورها التمويلي ولا أريد أن أنسى دور الوزيرة السابقة خليدة تومي، في هذا الشأن، كما أدعو الوزير الحالي لخلق إستراتيجية للإنتاج السمعي البصري والسينمائي وتشجيع مصادر تمويل أخرى. فمثلا يمكن لوزارة الثقافة أن تتفق مع وزارة المالية في مسألة الجباية وكذا استثمار البنوك، أيضا لماذا لا تستثمر الولاية في تمويل الأفلام؟، نعم فلا يجب أن نقصي الإنتاج الإبداعي بل أن نضع جدولا للأجور، أي أننا نضع سلّما لأجور كاتب السيناريو والمخرج والممثل ونعتمد عليه في كل الأفلام المنتجة، لهذا أنا ضد تقليص الأعمال الفنية والثقافية. وفي هذا السياق، أعيب على وزارة المجاهدين عدم تمويلها ولو بسنتيم واحد لأعمالي، وأتساءل إن كنت أعتبر من المستوى الثاني لأنني من الجنوب الغربي؟ أعتقد أن هناك أناسا من الشمال أيضا يعتبرون أنفسهم من المستوى الثاني؟ لقد بعت سيارتي لأسدد بعضا من ديوني التي بلغت 500 مليون سنتيم، كان من الممكن أن أنتج مسلسلات لكي اربح الأموال ولكنني اخترت أن أحمل رسالة نبيلة تتمثل في التعريف بتاريخ المنطقة. لا تقشف في الثقافة يعاني الفن السابع في الجزائر من مشاكل عدة، من نقص في القاعات وانعدام المخابر وغيرها؟ هل من حلول لانتعاشه؟ ❊❊ لا يمكن أن تنتعش السينما في الجزائر ولا أي مجال للإبداع لأنه لا توجد رؤية إستراتيجية والإجابة عن سؤال محدد: «ماذا نريد أن نفعل»؟ نعم من الجيد بناء مستشفيات ومطارات ولكن لن نستفيد من كل المشاريع في حال استعملناها للفساد، لهذا لا بد من الثقافة وحرية الإبداع لكي ننهض بالبلاد. تحصلت على جوائز محلية وأخرى دولية، هل من الضروري التعريف بتاريخنا للأجانب ونحن شبه غائبين في الحاضر؟ ❊❊ أعتقد أنه من الضروري ملء الفراغ. طالبت السلطات العليا منذ أكثر من عشر سنوات بتنظيم مهرجان فيلم الساحل لما لهذه المنطقة من أهمية إستراتيجية، ولكن لم أتلق أي رد. أيضا الفضاء المتوسطي خال رغم تنظيم مهرجان عنابة الذي اعتبره «لا حدث». كما أنني لم أتلق أي دعوة لعرض فيلميّ الآخرين في المهرجانات ولا حتى خارج المسابقة، وحتى تنظيم مهرجان الفيلم العربي بوهران يدفعني للتساؤل عن مكانتنا في الفضاءات العربية. نعم أشارك في المهرجانات الدولية لكي أفرض عملي وحتى يدرك الآخرون أن الجزائر تملك سينما في المستوى ويمكن التعامل معها. سلسلة عن المجاهدين وفيلم تاريخي من مشاريعي مع مشكل تمويل الأفلام، كيف تحولت إلى منتج؟ ❊❊ كان ذلك سنة 2007 حيث لم يكن لدي حل آخر لتقديم فيلمي خلال تظاهرة «الجزائر عاصمة الثقافة العربية»، لأقرر بالمناسبة ترك 24 سنة من العمل في التلفزيون والتحرر من تعسف الإدارة، وإنجاز أعمال تاريخية عن منطقة الجنوب الغربي للبلاد. فقمت بإنجاز عدة أفلام بداية بفيلم عن «المقاومة في المنطقة الثامنة»، ثم ثلاث حلقات عن «تاريخ المناجم الجزائرية من سنة 1830 إلى سنة 1962»، ففيلم عن «المغيلي» الذي أدخل القادرية والإسلام إلى النيجر والمالي، ثم عمل عن «الرقصات في منطقة الهضاب العليا»، وجميعها أفلام وثائقية ما عدا فيلم «المغيلي» الذي لعب دوره عبد النور شلوش، وبالمناسبة أريد أن أنوّه بأخلاق وثقافة واحترافية الفنان عبد النور شلوش. أما عن إنتاج أعمال لا تخصني فقد أنتجت فيلمين لخالدي وليحي دبوب. ماذا عن مشاريع العربي لكحل؟ ❊❊ أقوم بإخراج سلسة بعنوان: «آخر النوفمبريين» من 52 دقيقة، حيث استعين بشهادة عشرة من المجاهدين القادة من بينهم منصور بوداود ومصطفى بليدي وبن خيرة بوثلجة وغيرهم. كما اقتبست من رواية كتبت سنة 1936حول زواج مختلط بين فرنسي وجزائرية وهي مزيج بين الواقعي والخيالي. ضرورة إيجاد سبل أخرى للتمويل هل تلقى العربي لكحل، حقوقه بعد بث بعض أفلامه في التلفزيون الجزائري؟ ❊❊ لم يحدث وأن تلقيت سنتيما واحدا من حقوقي بعد عرض أفلامي في التلفزيون، وفي هذا السياق، أقول لسامي بن شيخ، مدير الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، إن «لوندا» ليست ملكا لأحد وإنها تسير باشتراكات زبائنها. قصتي مع «لوندا» بدأت سنة 2006 حيث رفض مديرها استقبالي مع الفنان عبد النور شلوش، ولكنني وضعت ملفي وبعد أربع سنوات عدت لأجد أن ملفي ضاع، ثم وضعت ملفا ثانيا سنة 2011، قيل لي إنه تم رفضه بفعل أنني أخطأت في ملء البيانات!!!!