يولي الكثير من المختصين النفسانيين أهمية كبيرة للحالة النفسية لبعض الفئات المصابة بأمراض مزمنة أو خطيرة، حيث يراعى تحضيرهم نفسيا قبل إبلاغهم بمرضهم لتجنب إصابتهم بصدمة، ويهملون في نفس الوقت العناية بالحالة النفسية للطبيب الذي يتكفل بتبليغ المريض بحالته الصحية، من أجل هذا سلطت جويدة مقاتلي، مختصة في علم النفس الاجتماعي بجامعة البليدة، الضوء على هذا الانشغال الذي تسبب في إصابة عدد من الأطباء بأمراض نفسية مستعصية وأخضعهم لعقدة الشعور بالذنب. قالت النفسانية جويدة في حديثها ل«المساء»، على هامش مشاركتها مؤخرا في ملقى حول «علم الصحة النفسية»، أن اهتمام المختص النفساني دائما يتجه نحو التكفل بالحالة النفسية للمريض وعائلته، ونادرا ما يتم الحديث عن الحالة النفسية للطبيب الذي تلقى على عاتقه مسؤولية كبيرة، وهي إبلاغ المريض بالحالة الصحية الخطيرة التي يعاني منها، مشيرة إلى أن صعوبة الموقف جعلت عددا كبيرا من الأطباء يعانون حالة من العزلة ويشعرون بالذنب بعد إبلاغهم بحالتهم الصحية. تعتقد المختصة أن مهمة الطبيب لا تنحصر فقط على تقديم الدواء وتشخيص المرض، وإنما في الكشف عن الحالة الصحية كيفما كانت دون أية زيادة ولا نقصان، ومن هنا تظهر الخطورة التي تجعل بعض الأطباء يلقون بالمسؤولية على الميكانيزم الدفاعي الخاص بهم، الذي يختار بين أن يعلن عن الحالة الصحية الخطيرة للمريض بطريقة مباشرة لا تحمل أي نوع من التعاطف ليشعر بالراحة، أي يرسم صورة اللامبالي لحظة الإعلان ليخفف عن نفسه، أو أن يختار الأسلوب الثاني والمتمثل في بناء مقدمة طويلة عريضة ويرسم ملامح المتأسف المعتذر الحزين، ويمهد فيها لتقديم الحالة الصحية التي عادة ما تكون خطيرة ومميتة، هذه الوضعية الصعبة لا تزال تطرح الكثير من الصعوبات على الأطباء، ومن هنا تقول المختصة: «نطرح إشكالية غياب التكفل بتكوين الأطباء في طريقة الإعلان عن المرض في الحالات التي ينعدم العلاج ببعض الأمراض، كالسرطان والآيدز». للتكفل بالحالة النفسية للأطباء لابد حسب المختصة التفكير في خلق شبكات تواصل جماعية بين الأطباء والمختصين النفسانيين، والمشاركة في مجموعات الكلام، أي تشرح «أن يجتمع الأطباء في شكل مجموعات، ومنه يدردشون حول الصعوبات التي تواجههم وما يعانون منه، ليتكفل المختص النفساني بتشريح كل حالة على حدا». تقول المختصة: «حسب تجربتي المهنية بأحد مستشفيات العاصمة، أين كان لي احتكاك ببعض الأطباء الذين أدلو بالصعوبات التي يعانون منها لحظة الإبلاغ، كشفت لي عن أن البعض بعد الإبلاغ يعيشون على وقع تأنيب الضمير، خاصة إن كانت الحالة المرضية مميتة، حيث يطرح الطبيب على نفسه بعض الأسئلة بعد عودته إلى منزله ولحظة بقائه منفردا، منها: كان لابد لي أن أقول كذا وكذا وأن أتجنب قول كذا وكذا .. وغيرها، ويظل ألم الضمير يلاحقه مطولا في غياب تكفل نفسي». مشيرة إلى أن الأطباء في مجتمعنا عادة لا يختارون الميكانيزم الدفاعي، وإنما يأتي التصرف بصورة تلقائية لها علاقة بشخصية كل واحد. تقترح المختصة لحماية الطبيب من مختلف الأمراض النفسانية التي قد تصيبه، نتيجة ممارسته لمهنته ضرورة الإسراع في فتح نافذة تواصلية بين المختصين النفسانيين والأطباء، مع السعي إلى إقرار تكوين خاص بالحالة النفسية للطبيب عند التعامل مع بعض الحالات المرضية المستعصية، أو الميئوس منها ليتسنى له القيام بمهامه النبيلة في علاج المرضى، وحتى لا يتحول إلى مريض بحاجة إلى مرافقة.