صادق أعضاء مجلس الأمة أمس، على مشروع النظام الداخلي الجديد بالإجماع، وذلك في جلسة عامة ترأسها السيد عبد القادر بن صالح، رئيس المجلس وحضرها 79 عضوا (مع تسجيل 37 وكالة) لمناقشة النظام الجديد الذي جاء للتكيّف مع الأحكام التي تضمنها دستور 2016، واعتبر السيد بن صالح، أن المصادقة على هذا النص تدخل المجلس في «مرحلة جديدة» قال إنها «تستوجب مراجعة كاملة لأسلوب عملنا وسلوكاتنا ضمن الهيئة، وتستوجب منّا ذهنية جديدة يتوجب على الجميع التسلّح بها في أدائنا البرلماني المستقبلي». رئيس مجلس الأمة الذي ثمّن وحيا أعضاء المجلس الذين صادقوا على مشروع النص واللجان التي حضّرت لهذا النظام مدة أشهر، اعتبره «أهم وثيقة تنظم سير عمله وتضبط صلاحياته الوظيفية مع مضمون الدستور الجديد والقانون العضوي الناظم للعلاقات ما بين غرفتي البرلمان والحكومة»، لاسيما وأنه تكفل ب»سد الثغرات والنقائص» التي كشفت عنها الممارسة البرلمانية في مجلس الأمة طيلة 20 سنة، ولهذه الاعتبارات فإنه لم يتردد في وصفه ب»الإنجاز الهام» الذي يحققه مجلس الأمة، وكذا «عملا جديرا بالتنويه». وفي انتظار الرأي النهائي الذي سيصدره المجلس الدستوري بخصوص مضمون هذا القانون، فإن السيد بن صالح، تحدث عن دخول الغرفة العليا للبرلمان «مرحلة عمل جديدة» يطالب فيها أعضاؤها ب»بلعب دور أكبر والتحرك بفعالية أنجع (في إطار أدائها البرلماني) خدمة لهيئتنا البرلمانية التي ننتمي إليها وللجزائر ولشعبها»، «الالتزام بتنفيذ مضمون أحكام هذا القانون ولعب دور أكبر فعالية ونجاعة في أدائنا التشريعي والرقابي، دورا يعطي عملنا المصداقية المستحقة ويصبح مطلوبا من كافة الأعضاء المواظبة بالحضور في الجلسات العامة واجتماعات اللجان الدائمة» و»ممارسة دورنا الرقابي على عمل الحكومة». يذكر أنه بموجب النص القانوني الجديد فإن النظام الداخلي الساري المفعول لمجلس الأمة خضع كليا للتعديل، وهو يحتوي على 156 مادة موزعة على 14 بابا و30 فصلا و8 أقسام و3 فروع، أي بزيادة 59 مادة جديدة و3 أبواب و13 فصلا و3 أقسام. وخصت الأحكام الجديدة التي جاء بها النص «أجهزة مجلس الأمة والمجموعات البرلمانية والإجراء التشريعي في المجلس»، «إجراءات مناقشة جدول أعمال المعارضة البرلمانية» وهو باب جديد «اللجنة المتساوية الأعضاء وإجراءات إخطار المجلس الدستوري» التي استحدثت، فضلا عن «إجراءات رقابة مجلس الأمة لعمل الحكومة» و»إجراءات تمثيل المجلس في الهيئات الوطنية والدولية»، إضافة إلى «المشاركة في أشغال المجلس وإجراءات الانضباط وإجراءات رفع الحصانة البرلمانية والتجريد من العهدة البرلمانية». ومن أهم النقاط التي ركزت عليها تدخلات أعضاء المجلس خلال مناقشة النص، الإجراءات الانضباطية الجديدة التي تضمنها النظام الداخلي المصادق عليه، حيث تم استحداث باب جديد يخص الانضباط وبالذات مسألة الغياب عن الجلسات واجتماعات اللجان، وهي المسألة التي كانت محل انتقاد واسع لدى الرأي العام بعد أن تكررت مشاهد غياب نواب الأمة عن جلسات مناقشة مشاريع القوانين، وحتى التصويت عليها لدرجة صعوبة جمع النّصاب اللازم للمصادقة على القوانين. وتنص أحكام هذا الباب الجديد على وجوب حضور عضو مجلس الأمة أشغال المجلس على مستوى اللجان الدائمة والجلسات العامة والمشاركة الفعلية فيها، ووجوب توجيه إخطار في الموضوع في حالة الغياب إلى رئيس اللجنة أو رئيس المجلس حسب الحالة. واعتبرت المادة ال127 من النظام الداخلي الذي تحصلنا على نسخة منه، أن غياب العضو يكون مبررا في أربع حالات فقط هي وجوده في نشاط رسمي في دائرته الانتخابية أو في مهمة ذات طابع وطني أو مهمة رسمية خارج الوطن أو عطلة مرضية أو عطلة أمومة، وجاء فيها أن لمكتب المجلس تقدير مدى قبول أو رفض المبررات الأخرى أو الإخطارات التي توجه بعد انعقاد الجلسة على إلا يتعدى ذلك يومي عمل. أما المادة 128 فتشير إلى أنه في حال تغيب عضو المجلس عن أشغال اللجان الدائمة أو الجلسات العامة لثلاث مرات على التوالي خلال الدورة بدون عذر مقبول، فإنه يفع تحت طائلة العقوبات التي حددها النظام الداخلي. ويتعلق الأمر حسب ذات المادة بتوجيه تنبيه كتابي ثم نشر قائمة الأعضاء المتغيبين عن أشغال جلسات المجلس في الجريدة الرسمية للمناقشات وفي الموقع الإلكتروني الرسمي للمجلس، كما تدون أسماء المتغيبين عن أشغال اللجان الدائمة في محاضر اجتماعات اللجنة، وتبلغ نسخ من ورقة حضور أعضاء اللجنة إلى كل من نائب الرئيس المكلف بالتشريع ورؤساء المجموعات البرلمانية. كما تنص على «خصم مبلغ مالي من التعويضة البرلمانية التي يتقاضاها العضو بعدد الأيام التي تغيب فيها عن أشغال اللجان الدائمة وأشغال الجلسات العامة»، وإذا تكرر غياب العضو لثلاث مرات متتالية أخرى خلال الدورة نفسها بدون عذر مقبول يحرم من الترشح لأي منصب في أجهزة المجلس بعنوان التجديد المقبل، ويحدد مكتب المجلس كيفيات تطبيق هذه المادة. وأظهرت تدخلات أعضاء مجلس الأمة الذين ثمّنوا محتوى النظام الداخلي الجديد أن مسألة الانضباط «أمر أخلاقي» لا يحتاج في الحقيقة إلى ضبط قانوني، إلا أنهم عبّروا عن التزامهم بتطبيق ما ورد في النظام الداخلي من أجل كسر الصورة النمطية التي تشكلت لدى المواطنين عن نواب الأمة. قازي تاني: الحضور مسألة أخلاقية قبل أن تكون قانونية في هذا السياق صرح عضو مجلس الأمة عن التجمع الوطني الديمقراطي عبد الحق كازيتاني ل»المساء» أن مسألة الحضور من المفروض أنها لا تطرح أصلا لأنها «أخلاقية» أكثر منها «قانونية»، معتبرا أنه من غير اللائق انتظار نص قانوني ردعي لحضور الأشغال من أجل الدفاع عن حقوق المواطنين، وقال «نحن أصلا منتخبون وبالتالي واجب الأداء والمهمة يقتضي أن نكون هنا باستمرار سواء في الجلسات العامة أو على مستوى اللجان، ولكن بالنسبة لبعض الأشخاص كان لابد من وضع هذه الترسانة القانونية لتنظيم الأمور، لأننا لاحظنا غياب شبة تام في بعض الجلسات وبالتالي صعوبة في جمع النصاب للمصادقة على القوانين، لكني مع ذلك أصر وألح على أن مسألة الحضور «معنوية وضمنية» لأن النائب مخول من طرف الشعب للقيام بمهامه. وفي حين طالب متدخلون بضرورة توسيع مسألة الانضباط إلى جميع الهيئات على كافة الأصعدة، فإن آخرين تحدثوا عن أسباب لم ترد في النظام الداخلي الجديد وقد تمنع العضو من الحضور، ومن أهمها التأخر المسجل في وسائل النقل بالنسبة للمقيمين في الولايات الأخرى. وعن الانشغالات والاقتراحات التي لم تؤخذ بعين الاعتبار، فإن رئيس مجلس الأمة قال في كلمته الاختتامية إنه سيتم التكفل بها في إطار «نصوص قانونية لاحقة أو إجراءات ستتكفل إدارة هيئتنا بها»، كما أن بعض هذه الانشغالات «سوف تبلغ إلى الهيئة التنفيذية قصد التكفل بها». إمكانية اقتراح قوانين واستجواب الحكومة ومن بين المواد الجديدة التي تضمنها النظام الداخلي، إمكانية منع رئيس الجلسة للمتدخل من مواصلة تدخله في 6 حالات هي «تعرضه للاساءة إلى المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري»،»التعرض لرئيس الجمهورية بما لايليق بمقامه»،»التدخل دون إذن من رئيس الجلسة»، «التفوه بعبارات نابية في حق أحد أعضاء المجلس أو إحدى المجموعات البرلمانية أو أحد أعضائها»، «المس بالحياة الخاصة للغير» و»التعرض لقضية تكون محل إجراء قضائي». كما يمنع النظام الداخلي الجديد أعضاء المجلس المنتخبين بتغيير مجموعتهم البرلمانية التي يكونون أعضاء فيها أو انتماءهم الحزبي الذي انتخبوا على أساسه، وفي حال استقالة عضو من مجموعته البرلمانية أو إبعاده منها فإنه يبقى عضوا في المجلس دون انتماء، كما لا يمكن للعضو المعين أن ينتمي إلى مجموعة برلمانية أخرى غير تلك الخاصة بالثلث الرئاسي، ويجرد من عضوية مجلس الأمة كل عضو غيّر طوعا انتماءه الحزبي الذي انتخب على أساسه، ويمكن إقصاء عضو مجلس الأمة كذلك في حال صدور حكم قضائي نهائي ضده بسبب ارتكابه فعلا يخل بشرف مهمته البرلمانية. ومن الأحكام الجديدة التي تضمنها إمكانية اقتراح قانون من طرف أعضاء المجلس يكون موقع وجوبا من طرف 20 عضوا ويمس المسائل المتعلقة بالتنظيم المحلي، وتهيئة الإقليم والتقسيم الإقليمي فقط. كما تقرر تخصيص جلسة شهرية لمناقشة جدول أعمال تقدمه المجموعة أو المجموعات البرلمانية للمعارضة. من جهة أخرى وضمن مهمة الرقابة على عمل الحكومة، تضمن النظام الداخلي إمكانية اقتراح 30 عضوا للائحة حول مخطط عمل الحكومة أو تقديم طلب استجوابها. وبخصوص الحصانة البرلمانية، فإن المادة 136 من النظام الداخلي تشير إلى أنه يمكن لعضو المجلس التنازل عنها طوعا بتصريح مكتوب يودع لدى مكتب المجلس الذي يبت فيه، فيما تنص المادة 137 أن طلب رفع الحصانة البرلمانية يودع من أجل المتابعة القضائية من قبل وزير العدل لدى مكتب المجلس.