أحيا سكان قرية المنادسية ببلدية بن فريحة التابعة لدائرة قديل شرق ولاية وهران مؤخرا، الوعدة السنوية المخلّدة لذكرى الولي الصالح سيدي عبد القادر الجيلاني، حضرها جمع غفير من المواطنين الذين توافدوا من داخل الولاية والولايات المجاورة، على غرار معسكر، سيدي بلعباس وغليزان. التظاهرة الثقافية التي تمتد جذورها إلى زمن بعيد، التفّ حولها الشعراء والمداحون، الذين حاولوا جعلها عرسا حقيقيا تلفّه الألفة والأخوّة وصفاء النفس، حيث بدأت قوافل الناس تتوافد على المنطقة قبل أيام من انطلاق الوعدة، للتبرك بضريح الولي الصالح سيدي عبد القادر الجيلاني. وتُعتبر هذه الوعدة واحدة من بين الوعدات التي تنظّم سنويا بوهران على اختلاف مواعيدها، حيث لايزال سكان العديد من مناطق الولاية متشبثين بمثل هذا النوع من التراث، لما تحمله هذه العادة الحميدة من بعد روحي وحضاري، اتّخذ منها سكان بن فريحة وأقرباؤهم موعدا للقاء والتزاور والتشاور والتصالح بتجديد العلاقات بين أفراد العرش الذي حافظ عليه الأهالي بنسقه وطقوسه عبر العصور رغم التقدّم الحضاري في ظلّ المعلوماتية وتبادل الثقافات والعولمة الشاملة، فضلا عن معايشة فنطازيا الخيول والبارود التي شارك فيها نحو 300 فارس قدموا من مختلف الولايات المجاورة بزيهم التقليدي، المتمثل في البرنوس الجريدي والسروال العربي والشاش «القنار» المصفّف بالخيط والبندقية، ليسحروا الألباب بعروضهم الرائعة أو ما يسمى في الكثير من المناطق ب «العلفة»، وصنعوا لوحات رائعة من الفانتازيا. من جهته، لعب مداح الحلقة دورا محوريا في هذه التظاهرة الشعبية، لما يلقاه من إقبال من الشباب والشيوخ على حدّ سواء، لمتابعة القصائد الشعبية التراثية التي تحكي عن أحداث وقعت عبر الزمن، أرّخت من خلال هذه الوسيلة الفنية، حسبما أكّد أحد أبناء المنطقة السيد عمر (أستاذ في الثانوي لمادة التاريخ والجغرافيا) ل «المساء» قائلا: «المداحون الذين يظهرون بقوّة في الوعدات التي تقام عبر الوطن، بدأ عددهم يقل بشكل كبير، بسبب عزوف الشباب عن توارث هذه الحرفة، التي أعتبرها فنا مسرحيا قائما بذاته، أدرجه المسرحي المرحوم عبد القادر علولة في الكثير من أعماله المسرحية»، وهو ما يحتاج، حسبه، «لالتفاتة جادة من قبل الباحثين في مركز الكراسك بوهران، للحفاظ على المداح كموروث ثقافي مهدد بالزوالّ». وحسب أحد المنظّمين فقد انقطعت هذه العادة التى توارثها أبناء المنطقة أبا عن جد في تسعينات القرن الماضي، ثم أعادوا إحياءها من جديد سنة 2013، حيث طبعت هذه المناسبة حفاوة استقبال الأهالي وشيوخ المنطقة لضيوفهم والعابرين، فلم يخلُ بيت من الضيوف مع إكرامهم بالطبق التقليدي المعروفة بالكسكسي باللحم، الذي يقدَّم للجميع على موائد تبسط في الهواء الطلق، بعدها تواصلت الاحتفالات إلى غاية منتصف الليل. للإشارة، تزخر ولاية وهران بموروثها الثقافي المادي وغير المادي من بينها إقامة الوعدات السنوية للأولياء الصالحين الذين عاشوا بالمدينة، وساهموا في المحافظة على الهوية الإسلامية للشعب الجزائري المسلم إبان الاستعمار الفرنسي، على غرار الولي الصالح سيدي الهواري وسيدي الحسني وغيرهما.