أثار خبراء مختصون في المجال السينمائي والسمعي البصري أمس بالمكتبة الوطنية، ندوة طرحوا فيها مسألة حماية وتثمين التراث السينمائي الجزائري ضمن برنامج عام مشترك بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، بموجب اتفاقية تمويل وقعت سنة 2012 لدعم وحماية التراث الثقافي، مقدّرة ب 42 مليون أورو، منها 2.5 مليون مساهمة من الجزائر. كما تطرّقوا للتحضيرات والمقاربات التي ستُطرح خلال الملتقى الدولي «الذاكرة السينماتوغرافية، كيفية حماية التراث السينماتوغرافي» الذي سينظم يومي 14 و15 أكتوبر الجاري بالمكتبة الوطنية بمشاركة أكبر خبراء الصناعة السينمائية عبر العالم. يتمثّل الهدف العام للبرنامج في المرافقة باتجاه التنمية الاقتصادية والبشرية من خلال الإسهام في عملية الجرد والحماية، والتثمين لتوفير الدعم المنهجي والتكوين بالوسائل والدورات والتسيير على المستويين المركزي والمحلي، ووفقا للتوجهات الاستراتيجية لوزارة الثقافة. وتناول اللقاء موضوع الأفلام التي تم ترميمها مع التأكيد على تبنّي استراتيجية وطنية دائمة لحماية التراث السينمائي الجزائري؛ من خلال وضع أسس تتماشى والتطور التقني (مناهج ووسائل وتكوين) والاقتصادي الحاصل عبر العالم. تحدّث السيد سميان مدير متحف السينما عن أهمية «النيجاتيف» صوتا وصورة، وتأسّف لكونه وجد كنوزا من التراث السينمائي مرمية هنا وهناك في وضعية مزرية، منها فيلم «تحيا يا ديدو»، وبالتالي كان ينبغي ترميمها في مخابر أوروبية، ملحّا، في سياق حديثه، على أهمية الترميم التي هي أهم من الرقمنة التي تأتي في درجة ثانية. بالمناسبة، أعلن سميان أنّ 15 فيلما مرمما ومرقمنا من روائع السينما الجزائرية («دورية نحو الشرق»، «تحيا يا ديدو»، «ليلى وأخواتها»، «بني هندل»، «عطلة المفتش الطاهر»، «المنطقة المحرمة»، «القلعة»، «أبناء الريح»، «فجر المعذبين»، «عمر قتلاتو الرجلة» وغيرها من الأفلام)، سيتم عرضها ابتداء من 14 أكتوبر الجاري عبر العديد من الولايات، أولها العاصمة ب «السينماتيك»، ثم ولايات أخرى، منها وهران وبجاية وعنابة وسعيدة وقسنطينة ومعسكر»، وستكون هناك لقاءات ومناقشات مع الجمهور. كما أكّد السيد مراد شويحي أن المركز الوطني للسينما والسمعي البصري، ساهم في التكوين. ونظّم دورات تربص، وشارك في التكفل بعمليات الترميم. أما السيد أحمد بجاوي فاستعرض أهمية الرقمنة وضرورتها في الحفظ. وقال إنّ أوّل عملية انطلقت سنة 2012 من خلال رقمنة تظاهرة المهرجان الإفريقي لسنة 1969 (نيجاتيف ذو 35 ملم). وتمكّن العملية من تخفيف الأعباء، خاصة إذا ما علم أن شريط التصوير كان يصل إلى 120 ألف متر ويحمل بمشقة، غير أن بعض تلك الأشرطة قد يصل عمرها إلى 300 سنة، وهنا ذكر أن فيلم الإخوة لوميير بالجزائر يعود إلى سنة 1895، وقد تمت رقمنته. كما ثمّن المتدخل تراث التلفزيون الجزائري الذي لا يقدَّر بثمن، ويجري الآن رقمنة عدد من الأفلام، منها مثلا فيلم آسيا جبار وفيلم مدور «كم نحبكم!» الذي عانى التدهور. وأشار بجاوي إلى أن الاختيارات السينمائية لم تكن صائبة، وذلك منذ الستينيات؛ حيث ركزنا على الإنتاج وليس على الصناعة السينمائية، وبالتالي بنيت تلك الأمجاد السينمائية على الرمل، لكن اليوم تغيرت المعطيات، ويتم استرجاع النسخ الأصلية من الخارج التي تحمل جزءا من هويتنا وتاريخنا. من جهته، نوّه ممثل الاتحاد الأوروبي بمستوى التعاون في هذا المجال الممتد إلى كل مظاهر التراث الثقافي غير المادي. وفيما يتعلق بتأسيس مخابر للتحميض والترميم (هناك مخبر بمؤسسة التلفزيون وآخر بمؤسسة الجيش، وكان هناك سابقا مخبر لمؤسسة الإنتاج السمعي البصري) وغيرها، أشار السيد وارد جمال إلى أن مشروعا كاد يتجسد بالمدينة الجديدة بسيدي عبد الله، ثم تراجع، لينتقل إلى منطقة الكاليتوس باتجاه طريق المطار، لكن إجراءات فك الملكية أخّرت الإنجاز. وأجمع المشاركون على أن هذه المخابر لا تكلف في إنجازها ولا تتطلب وسائل ضخمة. وقد صرفت الجزائر على عمليات التحميض بالخارج ما كان يسمح بإنجاز 100 مخبر على أرضها (حاليا يوجد أصل نيجاتيف 150 فيلما بالخارج). في سؤال ل «المساء» خاص بإعادة ثمين وعرض هذا التراث، أجاب بعض المشاركين منهم سميان وبجاوي، بأن نقص القاعات حال دون ذلك (أقل من 30 قاعة). على هامش اللقاء أكد السيد بجاوي ل «المساء» أن الملتقى الدولي الذي سينظم هذا السبت جاء لأن تراثنا أصبح في خطر، وسيثار البعد العلمي والصناعي للسينما. وسيشارك في اللقاء أكبر الخبراء في العالم (يمثلون 70 بالمائة من الفاعلين في العالم)، منهم فرتيلي من بولونيا وفريديريك مير ومديرو السينما الفرنسية والمصرية والإيرانية.