يسجل الفنان مجيد قمرود عبر لوحاته المعروضة برواق عائشة حداد تفاصيل تجربة الحياة، ويقف عند تفاصيل لها دورها في مسارات التحوّل ليكشف أمورا مغمورة أو يدعو من خلال أخرى إلى الجمال وإلى تثمين التراث وترسيخه في ممارساتنا اليومية. قمرود صاحب التجربة الطويلة هو من الأسماء اللامعة التي مرت عبر المدرسة العليا للفنون الجميلة، دخل مجال الاحتراف بخطى ثابتة رافعا شعار التكوين الأكاديمي الذي يرافق الموهبة. تتواصل فعاليات المعرض إلى غاية 31 أكتوبر الجاري وهو يحمل عدة مضامين، حيث أشار الفنان خلال حديثه مع «المساء» إلى أن المعرض به عدة لوحات مختلفة المواضيع بعضها يرجع إلى سنة 2006 وبالتالي نجد في المعرض تنوعا في الأفكار والأساليب الفنية. من ضمن المواضيع التي تطرق إليها الفنان، موضوع الإنسان وهنا يقول «تعرضت لكل ما له علاقة بالإنسان من ذلك الضمير الذي هو دافعه نحو الخير وكذا المجتمع الذي يحتضنه بكل ما فيه من يوميات ومن تغيرات ومن آفات، ثم يمتد ذلك إلى علاقة الإنسان بالعالم». تحدث قمرود أيضا عن الخصاص التي تميز المجتمع وفي مقدمتها مسألة الهوية التي هي نتاج التاريخ ، وكذلك قضية المرأة والطفولة. اعتمد الفنان على الأسلوب التجريدي ليوظّف الكثير من الأفكار والمعاني منها الرموز المؤطرة بأشكال هندسية مختلفة الأحجام والبنى الهندسية، نجدها في منحنيات أو مكعبات وغيرها، وهي بأبعاد مختلفة تتحوّل وفقا للأشكال التي تحويها، كما استعمل الفنان الألوان الداكنة ذات العتمة واللمسة الرومانسية لتظهر وكأنّها مهرّبة من زمن غابر. عن التقنيات المستعملة يقول قمرود «أستعمل تقنيات مختلطة من مدارس فنية شتى رغم أن التجريدي هو الغالب، وتعاملت أيضا مع تقنيات المدرسة الحديثة من لصق وتكسير وغيرها تماشيا مع متغيرات العصر». من بين اللوحات المعروضة، هناك لوحة الماء كرمز ميتافيزيقي عميق، أيضا كاحتياج يوحي بمحطات تصفية مياه البحر أو لتربية الأسماك. وهناك لوحة الحاضنة التي هي الأم الحنون التي لا تعتني فقط بأسرتها وإنما أيضا بالتراث، بل وتجتهد لأن تضع بصمتها فيه من خلال الإبداع خاصة لو كانت فنانة أو حرفية وهو بمثابة تكريم لها. فيما يتعلق بالتراث، فقد أشار الفنان إلى أن تراثنا غزير نتيجة التراكمات التاريخية مما ولد هوية ثقافية تختلف عن الآخر في المعيش والعمران والأكل والملبس وأعطى مثالا عن هندسة المآذن المربعة وعن أطباق شعبية يتصدرها الكسكسي وهكذا، ورغم كل ذلك فإن عملا جبارا ينتظر لتثمين وتفعيل هذا التراث الوطني. عن الحرية، فقد جسدها قمرود في لوحة «العصفور» حيث وضع عصفورا داخل قفص وآخر فوقه وفسرها على أن الحرية مسؤولية وليست فوضى وعبّر عن ذلك بعبارة «أن تكون حرا ولكن ليس بعيدا». من الآثار التي أبرزها الفنان في معرضه «الأهقار» وقال يجب عدم التعامل معها كأطلال، بل علينا إعطاءها الروح والبعد الجمالي والحيوي. خلال حديثه مع «المساء» أشار قمرود إلى أنه يبني اللوحة تدريجيا فبعد تحديد النظرة يقوم بكسرها فنيا على أداة الرسم من ورق أو قماش ثم يعيد بناءها بالخطوط ثم يعبئها بالألوان ليتم التوازن كآخر مرحلة. وعن الألوان قال إنها عفوية ومستمدة من مناخنا المتوسطي الدافئ . يبقى الفنان متفائلا بالوسط التشكيلي الجزائري مراهنا على التكوين الذي هو مبتغى كل موهبة تطمح للظهور وللاستمرارية. ===