لم تجد مصالح ولاية الجزائر، على غرار الولايات الأخرى، حلا مجديا لمشكل التخلص من النفايات الصلبة. كما تجد مؤسسات النظافة صعوبات جمة في نقل هذه المخلفات، خاصة بعد غلق المفرغة العمومية للنفايات الصلبة والردوم بمنطقة الحميز من طرف الولاية بعد تشبّعها. فيما يرجع المختصون إشكالية هذا الوضع، إلى جانب غياب ثقافة بيئية لدى المواطن وتحسيسه بالطرق الحضارية للتخلص من هذه المخلفات، فضلا عن نقص عامل التغريم. تحوّلت العديد من فضاءات بلديات ولاية الجزائر إلى نقاط سوداء، تلقي بآثارها السلبية على المحيط والمنظر الجمالي للأحياء والمدن، وتشكل عائقا حقيقيا أمام المؤسسات المكلفة بتنظيف المحيط، فلا تخلو اليوم بلدية من هذه الظاهرة غير الحضرية، التي عجزت المصالح البلدية ومديرية البيئة عن تسييرها والسيطرة عليها، كون المواطنين أو المؤسسات التي ترمي بالنفايات الهامة والصلبة، تختار التوقيت الذي ترمي فيه المخلفات، بعيدا عن أعين أي جهة يمكن أن تبلغ عنها لمصالح المراقبة، خاصة شرطة العمران وحماية البيئة، بالنظر إلى الأعوان المكلفين بهذه المهمة. المواطنون يلوّّثون ويشتكون.. عندما سألنا بعض المواطنين عن ظاهرة رمي النفايات الهامدة والصلبة، راحوا يرمون الكرة مباشرة في شباك الجماعات المحلية، التي لم تخصص أمكنة معينة للتخلص من هذه المخلفات، حيث يرى (بلقاسم .ع) من بلدية الكاليتوس، أن حيه لا يخلو من أكوام الخردة والردوم التي يرمي بها سكان العمارات بالقرب من الحي، وأن مؤسسة النظافة «إكسترانات» المكلفة برفع القمامة المنزلية، لا تعبأ بما تجده بالقرب من الحاويات من النفايات الأخرى، فتبقى هذه الأكوام تشوه المحيط. ويطالب محدثنا مصالح البلدية بإعادة النظر في منظومة النظافة بإقليم البلدية، وإيجاد حل أنسب لهذا المشكل الذي ظل يؤرق المواطنين. من جهته، أوضح (ابراهيم.غ) بحي اسطنبولببرج الكيفان، أن الأحياء الأكثر تعرضا لمثل هذه التجاوزات، تلك البعيدة عن التجمعات السكنية، ومنها حيهم وأحياء مجاورة مثل الباخرة المحطمة، فايزي، الدوم، سي إسماعيل وغيرها، التي تشكلت بها العديد من النقاط السوداء جراء الرمي العشوائي لمخلفات أشغال البناء، مشيرا إلى أنها في تزايد مستمر، وأنه إذا لم تتدخل السلطات المحلية ومختلف أجهزة الرقابة، فإن الوضعية ستتعقد أكثر فأكثر، مما يصعب مستقبلا على الجماعات المحلية تطهير هذه الأماكن العمومية. وقد وقفت «المساء» على عينات من هذه التجاوزات التي أثرت سلبا على البيئة، مثلما هو الحال بشاطئ اسطنبول. وتؤكد بعض جمعيات الأحياء أن تسيير النفايات الصلبة لم يجد طريقه للحل، كون الجماعات المحلية والمصالح الولائية عموما، اكتفت بتسيير النفايات المنزلية التي يخرجها المواطن يوميا، متغافلة عن أطنان النفايات الهامدة وغير القابلة للتحلل التي يرمي بها المواطنون، خاصة بأحياء السكنات الجماعية، حيث تشوه المحيط وتؤثر سلبا على الإطار الحضري للسكان، وتقل هذه النفايات بأحياء السكنات الفردية التي يساهم سكانها في الحفاظ على الشوارع نظيفة وخالية من المخلفات. أعوان «أوبيجيي» يكتفون بالتبليغ.. وأكد مسؤول من ديوان الترقية والتسيير العقاري «أوبيجيي» لحسين داي ل«المساء» أن أعوان الديوان الذين يرون بأعينهم يوميا العديد من التجاوزات المنافية للبيئة وروح المواطنة، إذ ليست لهم صلاحيات التدخل لمنع السكان من طرح مخلفاتهم بأماكن القمامة المنزلية أو في أطراف الحي، أو بالمساحات الشاغرة غير المبنية، ويكتفون في أحسن الأحوال بتبليغ إدارة الديوان بوكالاته ووحداته المنتشرة بمختلف بلديات وسط العاصمة. وأفاد المصدر، أن مهمة نقل نفايات السكان من الردوم ومخلفات أشغال البناء والخردة وأشغال إعادة تهئية وتنظيف الحدائق العمومية هي من صلاحيات البلدية، لأن كل ما يخص الطرق البلدية يدخل في إطار مهامها، مشيرا إلى أن الديوان كهيئة عمومية لا تستطيع التدخل في هذا الأمر ولا يمكنهما تجاوز صلاحياتها، لكنها تقوم بالتبليغ عن هذه التجاوزات المضرة بالمحيط والمواطن معا. بعض البلديات وجدت الحل حسبما ذكر النائب ببلدية برج الكيفان المكلف بالبيئة وتهيئة المحيط، آيت احسن عمر في وقت سابق، فإن البلديات لا يمكنها أن تقوم بمهامها من دون إمكانيات مادية وبشرية، وأنه بالنسبة لبرج الكيفان ذات المساحة الكبيرة والكثافة السكانية المرتفعة، لا يمكن تغطية كل النقائص بها في مجال النظافة وتهيئة المحيط بميزانية هزيلة، وعدد قليل من العمال، لكن حسبه - رغم ذلك، تمكنت البلدية من تخفيف الوطأة وإزالة العديد من النقاط السوداء، خاصة ما تعلق برفع النفايات المنزلية والأخرى الهامدة والردوم، وأنه كنائب كان يستعمل كل الطرق لتوفير الإمكانيات المادية كالشاحنات والجرافات، واستغلال ما تسخره الولاية في مناسبات عدة، لجعلها تخدم الصالح العام. وفي هذا السياق، أفاد السيد آيت احسن أنه استطاع بمساهمة جمعيات المجتمع المدني والمواطنين ذوي الحس المدني، القضاء على أزيد من 10 نقاط سوداء تتمثل في كومات كبيرة بحجم «تلال» من النفايات المكدسة منذ سنوات، وتخليص الأراضي الزراعية والأحياء المجاورة من خطر التلوث، لكن يقول مصدرنا يبقى المشكل دائما في تصرفات المواطنين غير الحضرية، ودعانا النائب آيت احسن إلى إجراء استطلاع ميداني حول السلوكات التي يتعمدها المواطنون في التخلص من النفايات المنزلية، لاكتشاف الخلل الموجود في منظومة القيم لدى الانسان، مضيفا في هذا الصدد، أن شاحنات النظافة تقوم بدورياتها قبل طلوع الشمس وتنظف الأحياء لكن ما إن تصل الساعة العاشرة صباحا، حتى يتعفن المحيط من جديد، موضحا أن الأمور يمكن حلها بالتحسيس وتوفر الإمكانيات، وأن الردع والتغريم في هذه المرحلة غير ممكن، لأنه لا يمكن أن نجعل في كل حي أو شارع أو عمارة شرطيا لمراقبة المحيط. من جهتها، تعمل بلدية الجزائر الوسطى بقلب العاصمة على تسيير مختلف النفايات بطرق محددة، حيث تساهم البلدية بشاحناتها في مساعدة المواطنين الذين يرغبون في التخلص من مخلفات أشغال البناء والترميم مقابل مبلغ رمزي، للمحافظة على الوجه اللائق للمدنية، أما باقي البلديات فلا تزال ترمي هذه النفايات في الخلاء بأماكن بعيدة عن المحيط العمراني، ظنا منها أنها تحسن صنعا، خاصة بالنسبة للبلديات شبه الحضرية التي توجد بها مساحات فلاحية وشبه غابية. وتفيد المعلومات أن هناك بلديات أخرى التي لم تجد الحل بإقليمها صارت منذ عدة أشهر توجَّه بقية الأنواع من النفايات الصلبة من بقايا الأشجار والأغصان والأدوات الكهرومنزلية، إلى المفرغة الكائنة ببلدية الشفة، بولاية البليدة، حيث تتنقل الشاحنات المحملة بأطنان من هذه النفايات، يوميا إلى غاية الولاية المجاورة بالجهة الجنوبية الغربية للعاصمة على مسافة تزيد عن 150 كلم لتفريغ حمولتها، علما أن هذه الدوريات الخاصة بالنظافة تساهم في «هلاك» عتاد البلدية وهدر الوقت والوقود في نفس الوقت، مما يؤثر على خزينة البلدية. مؤسسة «أسروت» لا تجيب وقد قصدنا مؤسسة التطهير وصيانة الطرق «أسروت» للاستفسار عن مدى مساهمة هذه الهيئة العمومية ذات الطابع الاقتصادي التجاري المسيرة من طرف مصالح ولاية الجزائر في هذا المجال، لكننا اصطدمنا مثلما هو الحال في كل مرة - بالمسؤولين يطلبون منا جلب الترخيص من طرف ولاية الجزائر، رغم حيازتنا بطاقة مهنية ووثيقة «أمر بمهمة» من أجل إنجاز الاستطلاع.