استعرض الدكتور لخضر منصوري بقسم الفنون الدرامية في جامعة وهران، خلال الجلسة الفكرية الثانية لمهرجان المسرح العربي، الجارية أطوار دورته العاشرة بتونس، "الرؤى الفكرية والجمالية في مسرح علولة"، مقاربة في الوعي الإيديولوجي وصناعة الفرجة. وأكد أن مشروع عبد القادر علولة المسرحي ارتبط ارتباطا وثيقا بالتراث الشعبي الجزائري، واستمد قوته منه في نقد الواقع الجزائري على المستويين السياسي والاجتماعي، دون أن يستغني عن تقنيات المسرح البريختي أو الاحتفالي. مداخلة الدكتور منصوري التي استقبلتها قاعة السينما بفندق "إفريقيا"، أول أمس، كانت موفقة في الكشف عن واحد من أيقونات المسرح الجزائري وشهيده، إذ قال بأن عبد القادر علولة استطاع أن يحقق قفزات نوعية في جل أعماله المسرحية، لأنه استفاد من تجاربه المسرحية الماضية وأخذ منها ما يبرز معالم مسرحه "الجديد" الذي طمح إليه، مسرحا يستمد ويستقي قوته من ينابيع التراث والفنون الشعبية التي عرفتها الجزائر والوطن العربي، لكنه عالج قضايا العصر بنظرة نقدية للمجتمع، محاولا في ذلك إرساء تقاليد مسرحية تنبع من التراث، وتتجه للمجتمع الجزائري. أضاف المتحدث أن مسيرة علولة عرفت عدة صعوبات لتحقيق مشروعه المسرحي، دون التحاور مع المنهج الملحمي الذي وجد فيه ضالته، بمحاورة الفنون الشعبية من خلال القضايا الاجتماعية عبر شخصيات تمثل نماذج من بسطاء الناس، في قالب تراثي ك«القوال" و«المداح" و«الراوي"، داخل فضاء إيطالي، حاول تكسيره بجلب فضاء قديم جديد متمثل في "الحلقة". قال المحاضر، إن القارئ يكتشف بسهولة حضور التراث الشعبي في مسرحيات علولة، الذي يمتزج بتقنيات المسرح البريختي، وأبرز دوره الطلائعي الذي ساير مجمل تطورات الوضع السياسي والاجتماعي على المستويين الداخلي والخارجي. فإلى جانب السمعة التي حظي بها خارج الجزائر، كان بحق أيقونة المسرح الجزائري بامتياز، إلى جانب العديد من الأسماء المسرحية التي نقشت أسماءها من ذهب على مدار تاريخ حافل من التجارب المسرحية، من أهمهم؛ كاتب ياسين، بشطارزي، ولد عبد الرحمان كاكي، مصطفى كاتب، محمد بودبة، عز الدين مجوبي وآخرين. لعل ما ميز تجربة عبد القادر علولة، حسب الدكتور منصوري، بعد سلسلة من المسرحيات المقتبسة من نصوص عالمية، خطى من خلالها مسيرته الفنية الأولى في مطلع الستينات، استحضاره لشخصية تراثية جعلها ركيزة أساسية في كتاباته الإبداعية ورُئَاه المسرحية، هذه الشخصية التي تحمل الكثير من المعاني في التراث الشعبي لبلدان المغرب العربي، خاصة في الجزائر والمغرب، وهي شخصية القُوّال الذي حاول تقريبه من المشاهد الجزائري. كما عمد علولة على إرساء علاقة وجدانية مع المشاهد، تصبوا إلى مشاركته وتوعية فعله اليومي، من خلال حكايات ينسجها تنبع من يومياته وواقعه، ولعل أهم خاصية في شخصية القوال مستغرقة في التسمية، حيث يقول علولة في شأنها "القوال هو حامل التراث الشفهي بكامله، فهو يؤلف ويغني ويروي الحكايات والأساطير المتداولة". لاحظ علولة دور القوال وأهميته في إنتاج بنية سردية تؤسس على الحكي، ومنه جاءت فكرة نقلها للفضاء المسرحي في طبيعتها البدائية الأولى، برؤية درامية جديدة تجعل من القوال نموذجا مسرحيا "جديدا" ينتج علاقة تواصلية تستند على مشاركة المشاهد الجزائري على وجه الخصوص. ليظهر عن طريق السرد أحداثا وحكايات مشوقة يرويها عن شخصياته المسرحية، مثل "زينوبة" و«عكلي أمزغان" في مسرحية الأجواد، "غشام الأصرم" في مسرحية اللثام ، "السي علي" في مسرحية "الخبزة" وغيرها من الشخصيات، إذ نلحظ أسلوب علولة في نقل نص القوال من السوق إلى خشبة المسرح، ومنحه روحا وأسلوبا جديدا ينبع من فكره، حتى تظهر هذه الشخصيات متزنة سليمة ذات أبعاد درامية ملحمية. تعد الحلقة مهد المسرح المغاربي، فهي النواة الأولى التي رسخت وسائل التعبير المسرحي وحققت التواصل مع الجمهور، من خلال مشاركته الفعلية في كل ما تقترحه من فرجة قائمة على سرد عجائبي ومن عروض شيقة ومتنوعة يروم أغلبها إلى التسلية، وإلى نقد الأوضاع الحياتية. من خلال شخصية الحلايقي أو صاحب الحلقة الذي يتمتع بدور تنويري، من خلال تعليقاته على الحدث، شارحا وقائع الحدث وملابساته، وبهذا يقوم بدور تعليمي، إلى جانب الدور الترفيهي، وتابع المتحدث يقول بأن فن الحلقة لازم الجمهور الجزائري منذ القدم، فهو نتاج العبقرية الشعبية، وهو الخلاصة الناضجة لتطور المجتمع العربي، مما أكسبه شخصية إيجابية، تتشكل وتزدهر بازدهار المجتمع نفسه. مبعوثة "المساء" إلى تونس: دليلة مالك