* email * facebook * twitter * linkedin جمع المركز الثقافي الإسلامي في إطار نشاطه المنظم مؤخرا تزامنا وحلول شهر رمضان المعظم، جمع بين عنصرين أساسيين يحتاجهما الصائمون "الصحة" و«العبادة"، خلال ندوة إعلامية احتضنها المركز الثقافي "العربي بن المهيدي" بالعاصمة، جاءت تحت عنوان "الاستعداد الروحي والصحي لشهر رمضان"، حاول فيها الطبيب فتحي بن أشنهو والدكتور توفيق ملزي أخصائي في التغذية والإمام عبد الرؤوف بوكثير، تنبيه عامة الناس إلى عدد من المسائل الهامة التي تجعلهم يستفيدون من المنافع الجمّة التي يأتي بها هذا الشهر المبارك. استهل الندوة التحسيسية الإمام عبد الرؤوف بوكثير، الذي اختار أن يشرح للحضور عددا من المسائل الهامة التي يجب معرفتها قبل الصيام، والتي عادة ما يغفل عنها بعض الصائمين سهوا أو عن جهل منهم، تتمثل في الإلحاح إلى المولى عز وجل كي يبلّغنا هذا الشهر الكريم؛ لأننا لا نعرف إن كنا سنكون من الصائمين وفي صحة وعافية، وبالتالي "من المهم الإكثار من الدعاء بالقول مثلا: "اللهم بلّغنا شهر رمضان".بعد أن يدركنا رمضان ينتقل المحاضر إلى التأكيد على وجوب أن نحمد الله ونشكره؛ لأنه جعلنا نصوم هذا الشهر المبارك، مع وجوب إظهار الفرح والسرور بقدوم هذا الضيف العزيز، لأنّ النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يبشر الصحابة بقدومه، وهو عادةً يشير الإمام ما نجده غائبا عن بعض المواطنين، الذين يجعلون منه شهرا للتذمر والشكوى من الجوع أو العطش بسبب الصيام أو لكثرة النفقات. وانطلاقا من هذا كان لا بدّ، حسب المحاضر، من لفت الانتباه إلى هذه المسألة؛ بالتذكير بأنه شهر اليمن، يبسط فيه المولى عز وجل الخير والبركات. وما يدخل أيضا في إطار الاستعداد الروحي لاستقبال الشهر الفضيل، التزوّد بالعلم الصحيح؛ بحثّ العامة على ضرورة الاطلاع على أحكام الصيام الصحيح. وقال الإمام: "إنّ صيام رمضان من الفروض العينية، ونحن بحاجة إلى معرفة أحكامه الشرعية"، مشيرا إلى أن أهم ما يجب لفت الانتباه إليه نظرا لأهميته، هو التوبة إلى الله عز وجل من كل المعاصي؛ لأن الطاعة والعبادة تحتاج إلى صفاء، وبالتالي فالصائم الذي يحب أن يكون على صفاء مع المولى عز وجلّ، وجب أن تكون توبته صادقة لا تشوبها أي شائبة، لا سيما أن "المولى عز وجل دعا عباده إلى التوبة في أكثر من موضع بالقرآن، ومن ثمة وجب على كل راغب في الإتيان بمرضاة الله في هذا الشهر، أن يخلص توبته لله". ومن جملة ما يدخل في باب التحضير الروحي للصيام حسب المحاضر، "عقد النية"، التي قد يغفل البعض عنها، فيجب على الصائم أن يعقد نية الصيام، وأن يتطلع من ورائه ليحقق هدفا يسعى لبلوغه في هذا الشهر؛ كالتخلي عن بعض العادات السيئة منها، ويذكر الإمام على سبيل المثال، تصحيح علاقته مع تلاوة القرآن الكريم أو التخلي عن بعض الآفات كالتدخين، لافتا إلى أن الراغب حقا في الاستفادة من فضائل شهر الصيام ما عليه إلا التوجه نحو التخطيط؛ برسم برنامج خاص يكون في متناوله، يُبنى على كل ما هو روحي بعيدا عن الماديات والشهوات، مشيرا في السياق إلى أن الجزائري في الغالب يعطي اهتماما كبيرا للشهر الفضيل؛ من خلال تمجيده والحرص على الجانب الروحي والإيماني ولكن بدرجات متفاوتة، وهو الهدف من تنظيم مثل هذه الندوات؛ لتصحيح بعض السلوكات الخاطئة التي تتغلب فيها شهوة الإنسان على المقاصد الدينية. وختم الإمام بوكثير مداخلته بعرض مخطط نموذجيّ خاص بالشهر الفضيل، يمكن أيّ صائم أن يتبناه أو يدرج عليه بعض التعديلات التي تتناسب وانشغالاته؛ فمثلا تحديد المقصد الإيماني من الصوم؛ كالصبر والتحلي بالإرادة والابتعاد عن الشهوات والمحافظة على الصلوات في المساجد والاجتهاد لختم القرآن؛ من خلال قراءة أربع صفحات كل يوم عقب كل صلاة، إلى جانب الإكثار من الصدقات بصورة يومية بغضّ النظر عن رمزية الصدقة مع الإكثار من الاستغفار والحرص على السحور الذي يُعد من أحب أوقات الدعاء. وعَدّ المحاضر، في السياق، الندوةَ فرصةً لتنبيه الصائمين الذين يُمنعون من الصيام بسبب المرض، إلى وجوب الإنصات لطبيبهم المعالج، لأنّ القناعات التي يبنونها للصيام رغم المرض، تُعتبر قناعات وهمية. وبالمناسبة، وجّه دعوى إلى كل المرضى المصرّين على الصيام للتواصل مع الأئمة؛ لإقناعهم بالدليل والحجة الشرعية، حتى لا يُلقوا بأنفسهم إلى التهلكة. في رمضان نغلّب شهوتنا على صحتنا من جهته، تأسف الطبيب فتحي بن أشنهو عند تدخله، للطريقة التي أضحى يفكر بها المواطن عند حلول شهر رمضان، حيث يربط دائما الشهر الفضيل بالمواد الغذائية والوصفات، ولعلّ ما زاد الطين بلة، حسبه، "البرامج التلفزيونية التي تروّج في أغلبها، للأطعمة الغنية بالسكريات والدهون، الأمر الذي يقودنا في هذا الإطار، إلى الحديث عن التنبيه الذي وجهته المنظمة العالمية للصحة للجزائر، والذي مفاده أنّ بعض الحالات الصحية في الجزائر في ارتفاع، خاصة داء السكري، الذي يتسبب في حدوث أمراض أخرى؛ كفقدان البصر والفشل الكلوي والجلطة الدماغية وغيرها، وبالتالي يشير الأخصائي إلى أنّه لم يعد لدينا اليوم اهتمام بالتحذير من المرض وإنّما بكيفية علاجه بعد الإصابة به، وهو الأمر الذي تنبهت له الدول المتقدمة، التي أصبحت توجه اهتمامها إلى العناية بالأشخاص المؤهلين للإصابة بداء السكري وبعض الأمراض المزمنة الأخرى؛ لحمايتهم وتفادي الإصابة، وتمكينهم من ثقافة وقائية؛ يقول: "ما نحن في أمسّ الحاجة إليه خاصة في رمضان؛ حيث تتغلّب شهوتنا على صحتنا". وأوضح الطبيب بن أشنهو في السياق، أنّ من الخطأ حث المصابين بداء السكري على زيارة أي طبيب قبل الصيام، وحسبه فإنّ مريض السكري يجب أن لا يخضع للمراقبة الصحية من أي طبيب، وإنما من طبيبه المعالج الذي يعرف حالته ويكون على اطلاع بكل ما يستجد، وهو المؤهَّل لمنحه الرخصة من عدمها، ومن ثمة يجب التصحيح بالقول: "إن كل مريض بالسكري لا بد أن يزور طبيبه"، مشيرا إلى أن مجتمعنا في أمسّ الحاجة إلى إعادة تنظيم المنظومة الصحية الجوارية لتقوم بدورها في مجال التربية العلاجية. ومن جملة النصائح التي أبى الطبيب بن أشنهو التركيز عليها في محاضرته التحذير من المشروبات المحلاة، التي اعتبرها من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بداء السكري. وحسبه، "فإنّ الصائم يستهلك تقريبا قارورة مشروب غازي أو محلي؛ أي ما يعادل ثماني قطع سكر دفعة واحدة، بدون الحديث عما سيستهلكه بعد الإفطار، ممثلا في الحلويات الرمضانية الغنية بالسكر، الأمر الذي يهدّم صحته". والتقليل من اللحوم خاصة الحمراء منها، ففي غياب التربية الصحية يشير المحاضر إلى أنّ أغلب الصائمين يتجهون إلى اقتناء لحم الخروف الغني بالدهون، الذي يتسبب في انسداد الشرايين، مقترحا في السياق، وجوب التنويع في اللحوم، وعدم البحث عن البروتينات في المادة الحيوانية فقط، بل تعويضها بالبروتينات النباتية التي تُعتبر أيضا مفيدة للصحة، لافتا إلى أن التنويع يمس أيضا الطبق الرئيس باستبدال طبق الشوربة بطبق اللوبيا أو العدس ولو مرة في الأسبوع، ويختم: "تغيير العادات الغذائية ممكن، يكفي فقط التحلي ببعض الوعي الصحي". 5 آلاف فائدة من الصيام نضيّعها بعشوائيتنا الغذائية اختار الدكتور توفيق ملزي عن الهيئة العالمية للإعجاز العلمي وأخصائي في التغذية، أن يستهل مداخلته بما أثبته العلماء بأنّ التغذية تحوّلت إلى مصدر مباشر لمختلف الأمراض، ومنها بعض أمراض السرطان وفقدان المناعة والضغط الدموي وداء السكري والتوحد وانفصام الشخصية، موضّحا أنّ المقصود من التغذية ليس تلك الطبيعية وإنّما التي أدخل عليها الإنسان بعض التعديلات، فجعلها مصدرا مباشرا للسموم. وحسبه، فإنّ ما يجهله المواطنون عموما وأكّده العلم، أنّ أكثر من 5 آلاف فائدة من صيام شهر رمضان، مثبتة علميا، غير أننا، للأسف، "بعد رمضان لا نجني منه الفوائد الصحية المنتظرة وإنما نسجل أعدادا كبيرة من المصابين بالأمراض المزمنة، الأمر الذي يجعلنا نتيقن أن ما يجنيه الصائم طيلة يوم صيامه، يفقده بعد الإفطار؛ ما يعني أنه لم يحقّق أي منفعة صحية من صيامه سوى التعب".ومن أكثر المشاكل الصحية التي تهدّد الجزائري اليوم مادة الخبز المشبّع بالمحسنات الذي يكثر عليه الطلب في الشهر الفضيل، وهو ما تشير إليه الأرقام، التي تكشف استهلاك أكثر من 90 مليون خبزة، وأن المشروبات المحلاة الرديئة التي تُشرب على نطاق واسع في رمضان، تحوي على سكر ضار، حيث نجد "في الكأس الواحد ما يعادل 35 قطعة سكر"، وبالتالي من المستحيل، حسبه، لجسم الإنسان أن يستوعب كل هذه الكمية الكبيرة من السكر، لكن، للأسف، "الجزائري فرض على جسمه هذا النمط الغذائي، الذي رد عليه الجسم كنوع من المقاومة بالأمراض"، وبالتالي صيامنا اليوم غير نفعي؛ لأننا لا نملك ثقافة غذائية صحية، ونستهلك بصورة عشوائية، يقول المحاضر. تنظيف الجسم وإراحته بالصيام في الشهر الفضيل في النهار يعوَّض بعد الإفطار بوجبات غذائية سامة ومشبّعة بالسكّر تفوق طاقته على التحمل، فيرد كنوع من الانتقام والتعبير عن الرفض بالأمراض المزمنة، وبالتالي كصائمين لا نجني أي منفعة من منافع الشهر الفضيل الصحية بالنظر إلى تدهور ثقافتنا الغذائية الغنية بالسموم، يقول الأخصائي في التغذية، ويوضح: "البديل موجود وفي متناول الجميع، وهو الرهان الذي يجب أن تتبناه ربة البيت في الشهر الفضيل؛ كونها مسؤولة عن تحضير المائدة الرمضانية، وبالتالي يقع على عاتقها التدخل لحماية أفراد عائلتها بمحاربة مختلف الأغذية غير الصحية كبداية لاكتساب سلوك غذائي صحي".