احتضنت قاعة الأطلس سهرة الأربعاء الماضي وقفة فنية تضامنية سجلتها العديد من الأصوات الفنية والشعرية الجزائرية والعربية بحضور وزيرة الثقافة خليدة تومي وكاتب الدولة لدى الوزير الأول المكلف بالاتصال عز الدين ميهوبي، والسفير الفلسطيني، إلى جانب العديد من الوجوه الفنية والثقافية الجزائرية، على أن يوجّه ريع الحفلة لدعم إعمار غزة. وسط حشود غصت بها قاعة "الأطلس" كانت البداية بشريط مصوّر يعكس المأساة، الموت، الدمار والمجازر التي خلّفها الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على شعب غزّة على خلفية غنائية لأروع الأناشيد المخلّدة للوطن الضائع، وبأجمل الأصوات العربية "يا قدس" لفيروز، "وين الملايين" لجوليا بطرس وأمل عرفة... تخلّلتها إلقاءات شعرية لفقيد القضية الشاعر الكبير محمود درويش، اهتزّت لها أركان القاعة التي تضم 2500 مقعد في أوّل حفل تحتضنه منذ إعادة فتحها. وبما أنّ أكبر ضحايا الاعتداء الهمجي الإسرائيلي كانوا من الأطفال والرضع الأبرياء، اختار الديوان الوطني للثقافة والإعلام المنظّم الرئيسي للوقفة التضامنية، أن تكون الكلمة الأولى لبراعم الجزائر لمساندة أشقائهم في غزّة عبر أغنية "ما نسيتك يا دار أهلي"، ليفسح المجال بعد ذلك للكلمة المعبّرة التي استهلها الشاعر الجزائري بوزيد حرز الله ب "تغريدة لعرس الجنوب"، وغنى فؤاد ومان بصوته القوي "نحن أصحاب الدار". لتقف الفنانة المصرية فردوس عبد الحميد أمام الحضور وتعبّر عن الاعتزاز بوجودها في الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد التي أعطت دروسا للشعوب في المقاومة والإصرار على التحرّر، منادية بأعلى صوتها أنّ "ما أخذ بالقوة لن يسترجع إلاّ بالقوّة"، وقال من جهته الفنان السوري المعروف عباس النوري الذي أشعل صعوده المنصة مدرّجات القاعة بالتصفيق والزغاريد والهتافات، "إنّ الجزائر بالنسبة للسوريين ليس فقط بلدا وإنما مثال يحتذى به في ثقافة المقاومة". "أبو عصام" الذي مثّل الشجاعة والمروءة والبسالة وكذا الصمود في مسلسل "باب الحارة"، شكر غزّة لأنّها "أظهرتنا على حجمنا الحقيقي وأنّنا "بلا دم"، وذكّرتنا حتى لا ننسى من جديد حقّنا الضائع في فلسطين، وبأنّنا نحارب عدوا لا يمكن السلام معه، ولتؤكّد لنا أنّ الدم الجزائري واحد أينما جرى وأن العروبة هي الجنسية الوحيدة لكل عربي".لكن التمّيز الحقيقي سجّلته الفنانة اللبنانية جاهدة وهبة بعد أن غابت عن الموعد الفنانة التونسية لطيفة العرفاوي، والسورية رويدة عطية، والأردني عمر عبد اللات، حيث استطاعت صاحبة الصوت القويّ أن تسحر الحضور بأدائها المتميّز وتظفر بتصفيقات حارّة من الحضور الذي شكّل الشباب سواده الأعظم، خاصة عندما وقفت إلى جوارها الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي التي أبت إلاّ أن تعبّر عن موقفها لتقول: "ما نفع أموالنا وبترولنا إذا لم نساند أشقائنا في مثل هذه المواقف.. الكلّ وقع في حضن إسرائيل إمّا خوفا أو تواطأ ... من غيرنا صنع مجد إسرائيل .. ضعفنا هو الذي أعطى لآل صهيون قوّتهم". لتبثّ جاهدة وهبة روح المقاومة في الحضور من خلال كلمات معبّرة انتقتها من أجمل القصائد التي ناجت الوطن الضائع لأكبر الشعراء على غرار "تقدّموا" للشاعر الفلسطيني سميح القاسم، "ألم تولدوا من نساء" للشاعر الراحل محمود درويش، "عذراء غزّة" من كلمات زاهي وهبي، وأيضا "كفاني أموت" للشاعرة الراحلة فدوى طوقان، و"أبإكليل غار" للأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي، وأيضا "أصبح الآن عندي بندقية " لنزار قباني التي يقول في مطلعها: "أصبح عندي الآن بندقية ... إلى فلسطين خذوني معكم إلى ربىً حزينة...كوجه المجدلية إلى القباب الخضر...والحجارة النبيَّة عشرون عاماً وأنا أبحث عن أرضٍ وعن وهوية" كما غنّت جاهدة من التراث العربي "يا ميجنة"، "يا بحرية شدّوا الهمة" ... وقد حرصت الفنانة المتألّقة على قراءة بعض الأشعار ثمّ أدائها، في حين شاطرها قراءة أخرى الفنان اللبناني أندري جهاد. مغني الراب الجزائري المعروف في أوساط الشباب لطفي دوبل كانو سجّل هو الآخر حضوره بقوّة في ثاني وقفة تسجّلها الجزائر بعد أن خصّص مهرجان جميلة في طبعة 2006 للتضامن مع جنوب لبنان ضد الاعتداء الإسرائيلي، بأغنية أنتجها خصيصا للمناسبة بعنوان "غزة، غزة، جيش محمد سوف يعود" التي ألهب بها القاعة وجعلها تردّد وراءه رغم الصوت الرديء للقاعة الذي جعل كلمات الأغنية لا تفهم. من بين الفنانين الجزائريين المشاركين أيضا الفنانة سعاد بوعلي، محمد بوليفة الذي غنى هو الأخر من شعر محمود درويش، والفنانة نرمين مشعل، ووقّع الشاعر المصري جمال بخيت هو الآخر حضورا لافتا من خلال إلقائه مجموعة من القصائد من بينها "شباك النبي على باب الله"، و"فلسطيني" التي تقول: "بيسرى الأقصى في دمى... أسير وعنيد وبلدي، ووجهتي، ويومي في هواها شهيد.. سلاحي قبضة معتلة وحتى النبضة محتلة.. لكن روحي ما تتخلى.. عن الجرح اللي يبقيني فلسطيني .... فلسطيني".