مازال وقع الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي القاضي بتطبيع العلاقات الثنائية، يلقي بضلاله على المشهد الفلسطيني بالنظر إلى تبعاته على مستقبل القضية الفلسطينية وخاصة من حيث سياقه الزمني وإصرار حكومة الاحتلال على ضم أراضي شاسعة من الضفة الغربية وفرض الأمر الواقع على المسجد الأقصى والاستيلاء على أخصب الأراضي في غور الأردن القلب النابض للاقتصاد الفلسطيني. ووجدت السلطة الفلسطينية نفسها في ظل هذا الواقع، معزولة في محيطها العربي والإسلامي إلّا من مواقف شجب محتمشة لن تغير من الأمر شيئا أو على الأقل التخفيف من وقع ما وصفته السلطة الفلسطينية ب"الطعنة في الظهر" و"خيانة القدس والقضية". وعكست تصريحات الرئيس الفلسطيني، محمود عباس أمس، حقيقة هذا المأزق، الذي جعله يؤكد أنه ليس من حق الإمارات أو أي دولة أخرى أن تتحدث باسم الشعب الفلسطيني أو استخدام القضية الفلسطينية ذريعة للتطبيع، محذرا من "إقدام أي دولة عربية أخرى على ما أقدمت عليه أبو ظبي، لأننا سنتخذ كما قال نفس الموقف الذي اتخذناه تجاه هذه الأخيرة. وكان الرئيس محمود عباس يشير إلى تأكيد ولي العهد الإماراتي، بأن اتفاق التطبيع مع إسرائيل جاء مقابل تراجعها عن قرار ضم أجزاء من الضفة الغربيةوالقدس الشريف بدليل أن سلطات الاحتلال احتفظت بقرار الضم على الطاولة وأنها ما التزمت به مجرد تعليق مؤقت لهذه الخطوة التي تضمنتها "صفقة القرن" الأمريكية. وهو الاتفاق الذي حذر منه، صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين وقال إن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، سيقتل مبدأ حل الدولتين ويعزز صف المتطرفين ومن شأنه أيضا أن يبعد كل إمكانية لتحقيق السلام الفلسطيني الإسرائيلي. وقال عريقات إن الوزير الأول الإسرائيلي من خلال اتفاق التطبيع مع أبو ظبي ومع دول عربية قال إنها ستحذو حذوها قريبا سيجد نفسه في غير حاجة إلى الدخول في مفاوضات سلام مع الجانب الفلسطيني مادام مقتنعا أن الدول العربية ستصطف الواحدة وراء الأخرى لإبرام اتفاق السلام معه. ودافع عريقات عن مقاربته خلال ندوة صحفية عقدها عبر تقنية التحاضر عن بُعد مع ممثلي عدد من الصحف الأجنبية وقال إن أشخاصا مثل نتانياهو والمتطرفين في إسرائيل سيقتنعون بأن تسوية النزاع عبر خيار "حل الدولتين" لن يكون مطروحا مستقبلا في ظل الهرولة العربية للتطبيع، وهي ذريعة ستجعل متطرفين في الصف الفلسطيني يقولون "لقد حذرناكم منذ البداية أن مبدأ حل الدولتين لم يعد صالحا لتسوية النزاع والمحصلة أن ذلك سيعزز موقف المتطرفين في إسرائيل كما في أوساط الجانب الفلسطيني. وأكد عريقات أن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يبقى مجرد محاولة أمريكية يائسة لإنقاذ خطة "صفقة القرن" التي رعاها الرئيس، دونالد ترامب، من الانهيار من خلال تطبيع العلاقات بين إسرائيل ومختلف دول الخليج العربي في مرحلة أولى على أن تنظم إليها دول عربية أخرى في وقت لاحق. ولكن اليأس الفلسطيني لم يمنع السلطة الفلسطينية من اللجوء إلى الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي حاثة إياهما على التحرك بشكل فوري واتخاذ موقف موحد تجاه ثالث اتفاق تطبيع يتم إلى حد الآن بين دولة عربية وإسرائيل. وكشف نبيل أبو ردينة، الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية، أن القيادة الفلسطينية ستعتمد استراتيجية خارجية قوية للرد على اتفاق التطبيع وتداعياته من خلال تحركات دبلوماسية مكثفة على الساحة الدولية ومختلف الهيئات العربية والإسلامية بقناعة أن "ما قامت به الإمارات اعتداء على القدس والشعب الفلسطيني وتجاوز لكل الأعراف والشرعيات وكسر لمبادرة السلام العربية". وإذا كان من حق الفلسطينيين التحرك على كل الجبهات لإسماع صوتهم بالنظر إلى خطورة الموقف بسبب مثل هذه الاتفاقيات التي تزيد في عزلة القضية الفلسطينية، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن الاستنجاد بالجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي من عدمه لن يغير في المعطى العام شيئا إذا علمنا أن العديد من الدول العربية ثمنت الاتفاق ورحبت به واعتبرته خطوة على طريق تحقيق السلام. كما أن دولا إسلامية أخرى تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وهو ما يجعل نداء "الاستغاثة" فرض كفاية مادامت محصلة ذلك تبقى صفرية في كل الحالات. ويفسر ذلك عدم رد المنتظمين على طلب السلطة الفلسطينية لعقد اجتماعات طارئة بالنظر إلى خطورة التطورات الحاصلة في المشهد العربي وانعكاساته المباشرة على القضية الفلسطينية. وكشف وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان في سياق هذه التطورات عن إقامة خط هاتفي "أحمر" بين وزارته ووزارة الخارجية الإسرائيلية وأنه أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره الإسرائيلي غابي اشكينازي اتفقا خلاله على لقاء بينهما لوضع آخر الترتيبات لمراسم التوقيع على اتفاق التطبيع بالبيت الأبيض الأمريكي مع حلول شهر سبتمبر القادم.