* الانتقال بالثقافة من قطاع مستهلك إلى مدر للثروة وموفر لمناصب الشغل. * تحسين وضعية الفنان بتوفير الحماية الاجتماعية.. وترقية السياحة الثقافية. تنطلق الجزائر الجديدة في شقها الثقافي والفني، من ضرورة الانتقال بالثقافة من الدور الترفيهي، إلى ضفة المساهمة في الانعاش الاقتصادي، آخذة في ذلك بعين الاعتبار، مكانة المثقف والفنان المرموقة والبارزة في مسار التغيير، وكذا الاستفادة من رصيد تراثي وحضاري ثقيل بمكنوناته وأبعاده الإنسانية والإبداعية، وهو خيار رئاسي بامتياز، يضع في الحسبان "انتقاء نموذج ثقافي أصيل". وضعت الدولة من بين أولوياتها الملحة نوعين من الاقتصاد؛ أولهما اقتصاد المعرفة، تماشيا مع المستجدات العالمية التي تستثمر في الذكاء الاقتصادي وتنويع منابع الدخل، فبناء اقتصاد المعرفة يمثل مرحلة مصيرية للجزائر، التي تسعى إلى خلق اقتصاد تنافسي يعتمد أساسا على رأس المال البشري غير المادي، وثانيهما الاقتصاد الثقافي الذي تعول عليه الدولة، لبلوغ مستقبل اقتصادي ناجح. في هذا الشأن، شدد الوزير الأول، على ضرورة تضافر جهود الجميع للانتقال بالثقافة من قطاع مستهلك يشكل عبئا على ميزانية الدولة، إلى قطاع اقتصادي مدر للثروة وموفر لمناصب الشغل، وأوضح في سياق هذه النظرة الجديدة، استعداد الدولة لدعم الاستثمار، بما فيه الخاص، قصد إنشاء مساحات ثقافية كبرى ومدن إنتاج سينمائي. ودعا لدى افتتاحه منتدى الاقتصاد الثقافي، شهر أفريل الفارط، إلى القيام بمبادرات عملية لتفعيل اقتصاد الثقافة وتعزيز دوره التربوي، لتحقيق تكامل بين المرفق العمومي التربوي والمرفق العمومي الثقافي، والعمل على تحسين وضعية الفنان من خلال توفير الحماية الاجتماعية له، بالإضافة إلى ترقية السياحة الثقافية، دعما للسياحة الداخلية، ضمن ديناميكية تساهم في جذب السياح الأجانب. برنامج واقعي وآليات فاعلة ولأن الأفعال تسبق الأقوال، اتخذت الحكومة، تطبيقا لبرنامج رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، ورؤيته الثقافية، عدة خطوات تصب في بوتقة تفعيل اقتصاد الثقافة، حيث عملت على دعم المنتجين في الصناعة السينمائية والثقافية، وتشجيع الخبرات الوطنية في هذا الميدان، ودعم إنشاء الهياكل القاعدية للصناعة السينمائية والمسرحية من استوديوهات التسجيل وقاعات العرض، وتعزيز الأنشطة الثقافية في الوسط المدرسي، وتوفير مناخ مناسب للإبداع الفني، ويتعلق الأمر بإطلاق منصات لبيع اللوحات التشكيلية والكتب، إلكترونيا، من أجل مرافقة الفنانين والمبدعين ضمن التأسيس لتنظيم سوق الفن، وفتح ورشات للبحث الأثري في المواقع التي شهدت اكتشافات جديدة، وعددها 23 اكتشافا، إلى جانب اتخاذ تدابير استعجالية لحماية الممتلكات الثقافية التي تم اكتشافها أو استرجاعها، والشروع في الاستغلال الاقتصادي للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية، آخذا في ذلك، التجربة النموذجية في قلعة الجزائر. بلغة الأرقام، تم مرافقة المنتجين والجمعيات الثقافية، بمنحها ما يفوت 154 مليون دينار سنة 2020، إلى جانب دعم إنتاج أفلام سينمائية طويلة وقصيرة ووثائقية، ودعم أكثر من 75 عملا مسرحيا وأعمال موسيقية، وأخرى في مجال الفنون الجميلة، وتشجيع 64 جمعية ثقافية، ناهيك عن استكمال النص المحدد لنظام علاقات العمل الخاص بالفنان والمسرحي، الذي يشكل حسب الوزير الأول، "إنجازا كبيرا"، مؤكدا أن الحكومة وضعت "برنامجا واقعيا" وآليات، من شأنها أن تجعل الجزائر "قطبا للإشعاع الثقافي والسياحة الروحية على المستوى الدولي". الخروج من ثقافة الاتكال من جهتها، ما فتأت وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة، تؤكد في جل خرجاتها، أن الاستراتيجية الجديدة لقطاعها، تهدف إلى الخروج من ثقافة الاتكال، والاتجاه نحو الاستثمار؛ من خلال فتح الثقافة والفن على الاستثمار الخاص؛ من أجل خلق سوق للفن يضمن للفنان إمكانية العيش بكرامة من فنه، من خلال وضع النصوص القانونية والتأطير الضروري. الشروع في الاستغلال الاقتصادي للمواقع الأثرية والمعالم التاريخية في هذا السياق، أعلنت الوزيرة في اختتام منتدى الاقتصاد الثقافي، عن "الشروع فعليا في التخطيط لآلية تنفيذية رفيعة المستوى ومتعددة القطاعات، بمرافقة وإشراف الوزارة الأولى"، ستكلف ب"تنفيذ ومتابعة الاستراتيجية الوطنية لاقتصاديات الثقافة والفنون"، كما أشارت إلى أنه سيتم قريبا، فتح مكتب الاستثمار الثقافي في وزارة الثقافة، يكلف بمرافقة وتوجيه أصحاب المشاريع والمستثمرين الخواص، واستحداث دور المقاولاتية في جميع ولايات الوطن. شكل منتدى الاقتصاد الثقافي الذي نظمته وزارة الثقافة والفنون، محطة مهمة للانتقال بالثقافة من قطاع مستهلك اتكالي، إلى قطاع منتج ومساهم في الاقتصاد الوطني، بهدف النظر في العقبات والعراقيل، وتقديم الاقتراحات التي يجب تنفيذها للخروج بحلول عملية، والنهوض بالاقتصاد الثقافي، حيث عرف حضور العديد من المتعاملين الاقتصاديين والفاعلين الثقافيين، إلى جانب ممثلي مختلف القطاعات الوزارية، الذين شاركوا في العديد من الندوات والورشات المبرمجة، وعبروا عن مختلف انشغالاتهم. ودعوا إلى تحفيز الاستثمار في مجالات الثقافة والفنون؛ من خلال إيجاد آليات كفيلة بتشجيع المتعاملين والفاعلين الثقافيين على هذا الاستثمار. كما قدموا توصيات بمرافقة ودعم الفنانين وحاملي المشاريع، من خلال وضع آليات دعم وخلق بيئة ملائمة. واقترحوا الاستفادة من امتيازات الاستثمار؛ كالتحفيزات الجبائية والجمركية، والامتيازات المطبقة على العقار ومنح القروض البنكية، وإعادة النظر في آليات دعم الإنتاج الثقافي والتوزيع والتسويق والتكوين. المحرك الأساسي للعمل الثقافي ولأن تحقيق المرامي يحتاج إلى الالتفاف حول المشروع الوطني، شدد الوزير الأول، السيد عبد العزيز جراد، على ضرورة الاهتمام بالفنان والعاملين في الحقل الثقافي، باعتبارهم المحرك الأساسي للعمل الثقافي، مؤكدا أن ضرورة إدخال الفنان في صلب اهتمامات الدولة، وقال إنه يتوجب علينا رد الاعتبار للفنان الجزائري وتقدير مقامه، وتوفير الحماية الاجتماعية له، بسبب الدور الفعال الذي يلعبه في المجتمع، وهو ما تجسد من خلال عدد من الالتفاتات الجميلة التي منحت الأمل لأهل الثقافة والفن، على غرار تكريم الفنانين القديرين عثمان عريوات والراحل قدور درسوني، من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، شخصيا، بمنحهما وسام الاستحقاق الوطني بدرجة "عشير". "العشير" للعملاق عريوات.. وطائرة خاصة ل"السلطان" صويلح دعا جراد، بمناسبة تكريم سبعة أسماء فنية وثقافية (بشير يلس شاوش، نادية طالبي، مريم وفا، سيد أحمد أقومي، فضلا عن إدريس شقروني، عبد الوهاب عيساوي وسيد أحمد كرازبي)، في خطوة لإعادة الاعتبار لرموز الفن والثقافة الجزائريين، وإشارة قوية من الدولة إلى المكانة التي تحظى بها الثقافة في الجزائر الجديدة، إلى نقل صورة الجمال والإبداع الجزائري والترويج له لتحقيق الوثبة الثقافية المرجوة. ولن يتأتى التوجه الثقافي الجديد بالنسبة للوزير الأول، دون الأخذ بعين الاعتبار أهل الثقافة، وقال "لذا سندافع حتى تكون للمثقف المكانة المرموقة والبارزة في مسار التغيير المنشود في أقرب الآجال، مواصلة للخيار الرئاسي لانتقاء نموذج ثقافي أصيل". عناية بالتاريخ والتراث من باب العناية التي يوليها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، للتاريخ الوطني وتراثنا الأصيل، توالت تكريمات من صنعوا الاستقلال، فكانت عنوان وفاء للعهد المقدس للذاكرة وضد النسيان، فإحياء لليوم الوطني للمجاهد والذكرى المزدوجة (20 أوت 1955- 20 أوت 1956)، كرمت وزارة الثقافة والفنون أعضاء الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني. كمرآة للنضال الفني، فبفضل الثقافة والفن "استطاعت الجزائر أن تحافظ على خصوصيتها". رغم عقود من الاستعمار الذي لم يقض على شخصية وهوية الجزائريين، وإحياء ليوم القصبة، كرمت وزارتا المجاهدين وذوي الحقوق والثقافة والفنون، المجاهدة الرمز جميلة بوباشا، رفقة المجاهدين حسيبة بن يلس ومحمود عرباجي، عرفانا بدورهم خلال الثورة التحريرية بحي القصبة. كما تضمنت رزنامة وزيرة الثقافة والفنون، عددا من زيارات الود والمجاملة لزارعي الفرح وصانعي التميز، زارت الشيخ ناموس أياما قبل وفاته، وأيضا الفنانة الراحلة القديرة نورية، والفنانة فتيحة نسرين التي تكفلت بحالتها الصحية قبل أن تدركها المنية، حيث قالت "إن التاريخ هو أساس المستقبل، وأنتم تاريخ الفن الجزائري، وفي أثركم يبنى مستقبلنا الثقافي". وهو نفس ما قامت به مع عبد المجيد مسكود، حيث اطمأنت على صحته، مؤكدة وقوفها الدائم إلى جانب الأسرة الفنية، خدمة لهم وللثقافة الجزائرية، وكذا مع "بنيبن" (محمد بوخديمي) الذي استجابت وزارة الثقافة والفنون لندائه وتكفلت بحالته الصحية، والفنانة عتيقة التي تم متابعة حالتها الصحية، حيث أكدت بن دودة في هذا الشأن، أنها "أسدت في وقت سابق تعليمات إلى موظفي القطاع مركزيا ومحليا، وكذا مسؤولي الهيئات والمؤسسات تحت الوصاية، تأمر فيها بفتح كافة الأبواب أمام الفنانين والتكفل بهم، حسب كل حالة، وتوجيههم إلى الهيئات المعنية، وإذا استعصى الأمر، فإن تدخل الوزيرة يكون فوريا وسريعا". تجسدت وعود وتصريحات الوزيرة على أرض الواقع، وكان تدخل مصالحها في كل مرة فوريا وسريعا، وهو ما تحقق أيضا مع مرض الفنان صالح أوقروت، حيث وجدت مناشدة عائلته، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، التدخل لنقله من أجل العلاج في الخارج، الأذان الصاغية، وباشرت وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، الإجراءات اللازمة للتكفل التام بحالته الصحية، على إثر زيارة أداها له وزير القطاع عبد الرحمان بن بوزيد، بتكليف من الرئيس، وتم إدخال "عاشور العاشر" إلى مستشفى متخصص في علاج الأورام، بعد نقله بطائرة خاصة إلى فرنسا.