نظمت الجمعية الجزائرية للدراسات الفلسفية (فرع برج بوعريريج) مؤخرا بمكتبة "الشهيد المسعود قيدوم" بمدينة رأس الوادي، لقاء حول "جماليات البيئة"، نشطه أساتذة وباحثون من جامعة قسنطينة2، تطرقوا فيه للعديد من الإشكاليات المرتبطة بالبيئة والمدينة، ورهانات الحياة البيئية في ظل التغيرات المناخية. بين البعد الإتيقي والجمالي انطلق الدكتور محمد جديدي في التعبير عن الذهول والارتباك الذي ينتاب الإنسان المعاصر، متراوحا بين ما هو واقع اقتصادي وما هو طموح بيئي، بين الرؤية الرأسمالية في البحث المفرط عن المواد الخام وبأسعار أقل وعن الأسواق الأكثر ربحا. وبين نظرة إيكولوجية ساعية إلى الحفاظ على البيئة وثروات الطبيعة، تتأرجح مقاربة البيوإتيقا البيئية، وتنزع صوب أخلاق المسؤولية والوعي الفني، أخلاق الفرد والجماعة، ومساهمتها في خلق بيئة سليمة وفضاء عام جميل مناسب للعيش المشترك، يساهم الفن أيضا بصياغته وتشكيله والعمل على مد الفرد والمجتمع حاجته الاستيطيقية، وبالتالي تنمية ذائقته الجمالية. وضمن مداخلته المعنونة "البلاستيك بين التشكيل الفني والتلوث البيئي"، يشير جديدي إلى الخصائص المغرية للبلاستيك من خفة ومقاومة ومرونة وكلفة غير عالية. ونظرا للاستخدام الواسع له شاع الاصطلاح على العصر الحالي ب "العصر البلاستيكي"؛ ما أفرز أزمة تلوث بيئي. وينتهي الدكتور محمد جديدي إلى أن الفن يمكن أن يؤسس لنظرة مساعدة على تجاوز أزمة التلوث البلاستيكي، ليس فقط في باب التحسيس والتوعية وتمرير الرسالة الإيكولوجية لبيئة نقية صحية جميلة، وإنما، كذلك، بالعمل على إعادة تشكيل ورسكلة عناصر التلوث البيئي في صورته البلاستيكية بما يحقق للإنسان توازنه الصحي، والروحي والجسدي. وناقشت الدكتورة نورة بوحناش من جامعة قسنطينة 2، مسألة "التحديث العنيف وأزمة البيئة في مجتمعات الهامش"؛ حيث أشارت إلى أن الخطاب النقدي المنبعث من بنية الهامش، جسد تحليلا لطبيعة سلطة المركز وآليات التحرر منها، لكنه لم يفتح مسارات نقدية تناقش طبيعة الإنسان، الذي نمطه المركز في هوامش تابعة لمشروع رغباته والإفراط في تلبيتها، فمادامت آلة التحديث تتألف من بنية أنثروبولوجية ضاغطة تكميلا للمركز وقيمه الإفراطية، فقد عملت على ولادة إنسانية ثانية؛ استنساخا لإنسان المركز حتى يتولى دور خادم الإفراط، سواء من جهة المورد الطبيعي أو الإنساني، وعليه فقد ألفت مواثيق الأنسنة أيديولوجيات، فرخت لكي تكثر من حقوق المركز على حساب هامش، يحتل القضية السلبية، وينتج وضعا وجوديا نمطيا، ينتهي به إلى الاتباع؛ تكثيرا لرغبات المركز. وأشارت المحاضرة إلى أن من الضروري تفكيك الأبعاد الوجودية والسياسية لأزمة البيئة تحليلا أركيولوجيا وبنيويا؛ فلماذا يعاني عالم الهامش من أمراض الحداثة وهو لم يشارك في إنتاج الحداثة، بل وهو الداخل إلى مجالاتها عنوة وقسرا؟ هل يوجد انفتاح على نقدية تبرز أن الهامش هو فضاء للذة المركز وتلذذه، وأن أزمة البيئة تعود إلى الشكل المستنسخ لحداثة تدميرية، بدأت بتفكيك الإنسان، وذلك بقطع صلته مع تقاليده؛ بوصفها منبته الثقافي الطبيعي، والزج به في رحى الدولة القومية المتحكمة في المشاتل البشرية، ثم إجباره على استهلاك السلع الدائرية في سبيل الاستزادة الإفراطية من مطالب المركز. أما الدكتور هشام معافة فأوضح في مداخلته حول "البيئة والتمدن"، أن العلاقة بينهما إشكالية زادت من حدتها صورة التلوث الصناعي والعمراني، التي ترسخت في ذهن الإنسان المعاصر، والتي نستحضرها دائما كصورة متعارضة مع الحالة الطبيعية، خاصة المشاريع العمرانية والاقتصادية الكبرى التي تشيد الآن في الصين المتهم الأول المسبب في التلوث؛ باعتباره البلد المسؤول عن أكبر كميات الكربون المنبعثة، ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية. وفي هذا السياق، دعا علماء العمران الوظيفيون إلى استعادة الحالة الطبيعية داخل المدينة؛ بإنشاء مدن صديقة للبيئة. لكن يتساءل معافة: "أليست المدينة خلقا اصطناعيا؟ ألا يرجع ظهورها في بادئ الأمر، إلى رغبة الإنسان في التحرر من الطبيعة وحماية نفسه منها؟ ألم يكن يروم خلق عالم اصطناعي مغلق، بمثابة خط دفاع ضد قوى الطبيعة المظلمة؟ ألم يكن مدفوعا خلال كل تاريخه إلى أن يثور عليها؟". ويعبّر معافة عن المخاوف المثارة اليوم، من أن الطبيعة أصبحت مقهورة من طرف التقنية؛ فرغبة الإنسان في ترويض الطبيعة بواسطة التقنية، سرعان ما عرفت انقلابا سريعا، أسفر عن هيمنة التقنية على كل ما هو طبيعي، وعوض أن يكتفي بحماية نفسه منها، تجاوز هذه العتبة إلى تدمير الطبيعة نفسها، ومن ثم تهديم البيئة البيولوجية الضرورية لاستمرار الإنسانية. إن التقنية ملوّثة إلى أبعد الحدود، على نحو يقود التقدم إلى فنائه وفنائنا كنوع إنساني، وعليه كيف السبيل لتأسيس علاقة طبيعية بين البيئة والتمدن؟