تقفز فرنسا وهي تتعمد عدم الاعتراف بالجرائم التي اقترفتها في حق الجزائر والجزائريين على حقيقة خطيرة مفادها أن عدم الاعتراف بجرائمها التي دامت على أرض الجزائر وفي حق الجزائريين بين 1830 و1962، أمر سيدخلها في متاهة تاريخية لا مخرج منها وسيلحق تعنت حكام فرنسا وتصريحاتهم غير المسؤولة في تعاملهم مع حقنا في الاعتذار واسترجاع أرشيفنا المسلوب، بأحفاد الثورة الفرنسية عارا مذلا لا ذنب لهم فيه، سيتجذر كلما طال أمد عدم التراجع عن المواقف السلبية التي تظهرها وتعلن عنها فرنسا الآن صراحة وبدون أية مسؤولية. والتاريخ الذي يحاول البعض من قادة فرنسا من الذين لايزالون يبكون على الأرض المفقودة، طمسه سيتجلى مثلما تجلت الكثير من الحقائق التاريخية في العديد من الدول، وبدل أن يكون مسؤولية عينية يمكن التعامل معها بدون عقدة مثلما تعاملت معه دول استعمارية أخرى مع الشعوب التي استعمرتها، سيتحول إلى ثقل تاريخي ومسؤولية جماعية يندى له جبين كل فرنسي حر، وسيجد حينها ذاك الجيل نفسه ملزما بمحو صفحة من تاريخه الاستعماري غير المشرف وغسل عار لم يكن مسؤولا عنه. تصرف الفرنسيين المتشبثين بعدم الاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر الواضح والمكشوف سيوصلهم إلى نهاية غير محمودة يغيبها عنهم حتى الآن حقدهم الأعمى، لكنها ستقوم قائمتها بشكل تلقائي وتقف عقبة تلقائية أمام أي مسعى لتمديد روابط أي علاقة طبيعية يراد لها أن تقوم بين فرنساوالجزائر، هذه الأرض الطيبة التي ظلت لقرون مصدر قوة البحر الأبيض المتوسط ودرعه الحامي وصارت بفعل وزنها الثقيل محل أطماع أوروبية، كغيرها من دول الجنوب بمجرد أن تقوت شوكة الغرب وظهرت النزعة التوسعية الاستعمارية لامتلاك ثروات الشرق بأبعاده الجغرافية المترامية ومالت حينها كفة موازين القوة لصالح شعوب الغرب على الشرق، وهو ماض مشرف لم تدخر فرنسا الاستعمارية جهدا لمحاولة طمسه. أكيد أن عدم الاعتراف بالجرائم المقترفة في حق الجزائريين، ستؤخذ مستقبلا من طرف الفرنسيين أنفسهم على أنها هفوة تاريخية حتى وإن كانت لها مبررات بالنسبة لهم، هذه المبررات التي جعلتهم يتأخرون عن التعامل الداخلي مع ما يطلق عليه ملف "حرب الجزائر" وتعويض أبنائهم الذين قادوا هذه "الحرب الضروس المعلنة"، وهي في الحقيقة مجازفات خطيرة تعكس في الوقت الآني نقص نظر تاريخي في التعامل مع ملف ثقيل بمثل "ملف" الاحتلال الفرنسي للجزائر. وما لا شك فيه هو أننا نتشبث حتى النخاع بحقنا في الحصول على الاعتذار وستظل الجزائر متمسكة باسترداد أرشيفها الوطني، والخرائط المخطوطة ضمن الخطط الحربية لفرنسا منذ احتلالها لأرضنا منها الأماكن التي تم فيها زرع الألغام والتي لا تزال إلى يومنا هذا تحصد الضحايا والمعطوبين وهذا دليل باق يكشف فرنسا الاستعمارية التي لن تتمكن من محو ما اقترفته في الجزائر من جرائم ... ولن يمحو التاريخ جرائمك الاستعمارية يا فرنسا فعليك بالاعتذار.